رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شخصية الإنسان تكمن فى إرادته


جاء فى كتاب قصة الفلسفة لـ«ول ديورانت»: لقد اتفق العلماء جميعاً بغير استثناء على أن جوهر العقل هو: الفكر والإدراك، والإنسان عندهم حيوان عاقل، يجب أن ننبذ هذه الغلطة القديمة العامة ونطرحها جانباً، لأن الإدراك مجرد قشرة سطحية لعقولنا، ونحن لا نعلم عنها سوى قشرتها، إذ إن تحت الواعى إرادة واعية أو لا واعية، وهى قوة حيوية مكافحة ملحة وهى فاعلية تلقائية، إرادة ذات رغبة آمرة عاتية، قد يبدو العقل أحياناً وكأنه هو الذى يقود الإرادة، و لكنه بذلك كالدليل الذى يقود سيّده فقط، إن الإرادة هى الرجل الأعمى الذى يحمل على كتفيه الرجل الأعرج المبصر، فنحن لا نريد شيئاً لأننا وجدنا أسباباً له، و لكننا نُجد أسباباً له لأننا نريده، كما أننا وضعنا الفلسفة والدين وأحكمنا صنعهما لنحجب فيهما رغباتنا، ولهذا يسمى الفليسوف الألمانى شوبنهور الإنسان بالحيوان الميتافيزيقى.

والإنسان مسوق بإرادته لا بعقله، يقول شوبنهور، موضحاً فكرته عن الإرادة البشرية: «لا شىء أكثر إثارة وتهيجاً للأعصاب عندما نحاول إقناع إنسان عن طريق الأدلة العقلية و البراهين المنطقية، و نبذل جهوداً وألماً فى محاولة إقناعه، ثم يتضح لنا أخيراً أنه لم يفهم و سوف لن يفهم، وإننا ينبغى أن نخاطبه عن طريق إثارة ما يريد ويرغب، أى عن طريق إرادته»، وهو يؤكد لنا عدم جدوى المنطق أمام المصلحة الشخصية والرغبات، التى باستطاعتها أن تحول عقل أغبى إنسان إلى ذكاء مرهف، ذلك فقط عندما تكون المسألة المطروحة للبحث متماشية مع رغباته، أى لكى تقنع إنساناً يجب أن تلجأ إلى إثارة مصلحته الشخصية إلى رغباته وإراداته.

إن شخصية الإنسان تكمن فى إرادته، وليس فى عقله، وشخصية الإنسان وأخلاقه أيضاً استمرار للغرض ووجهة النظر، وهذه إرادة، كما أن جميع الديانات تعد بالجزاء وتنادى به لحسنات الإرادة والقلب، ولكنها لا تعد بمجازاة نبوغ العقل والفهم بالحسنات، الإرادة هى جوهر الحياة فى جميع صورها؟ وماذا يمنع أن تكون الإرادة هى الشىء ذاته الذى بحثنا عنه طويلاً ويئسنا من الوصول إليه، وأن تكون هى الحقيقة النهائية، والإرادة هى إرادة الحياة، إرادة بلوغ حد أعلى من الحياة وعدوها الأبدى هو الموت، إن البذور الجافة تبقى محتفظة بقوة الحياة الكامنة فيها ثلاثة آلاف سنة، وعندما تصادف فى النهاية الظروف المناسبة تنمو وتترعرع إلى شجرة أو نبات.

برلمانى سابق