رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلغاء المدارس.. واعتماد الدروس الخصوصية


شعبان صابر شاب مصرى ولد يتيماً فقد كان جنيناً فى بطن أمه حينما لقى والده مصرعه فى حادث سير، والدة شعبان ترملت عليه وهى بنت الثمانية عشرة عاماً ورغم ظروفها المالية الصعبة عملت فى مجال الزراعة مقابل أجر بسيط يومى تنفق منه على تعليم وتربية ابنها، ولأن المدارس لا تعلم فمن سن الحضانة وشعبان يعتمد على الدروس الخصوصية حتى يلتحق بكلية الإعلام ويحقق حلمه ووالدته فى أن يكون إعلامياً متميزاً وبالفعل حصل شعبان على الثانوية العامة هذا العام بمجموع 94% فى القسم الأدبى وتقدم للتنسيق فى المرحلة الأولى ورغبته الأولى كلية الإعلام جامعة القاهرة ولكن تحطمت كل أحلامه عند إعلان نتيجة التنسيق فبسبب الغش والارتفاع غير المسبوق فى مجاميع الثانوية العامة هذا العام فلم تشفع الـ 94% لشعبان للقبول فى كلية الإعلام الحكومية.

فقرر الالتحاق بإحدى كليات الإعلام الخاصة وبالفعل سافر إلى القاهرة ولكنه عاد مكسور الخاطر يحمل همومه فوق أكتافه حينما علم أن مصاريف كلية الإعلام الخاصة تتخطى الثلاثين ألف جنيه فى عام بدون مصاريف الإقامة والسفر والكتب والطعام والشراب والملابس أى أنه يحتاج 250 ألف جنيه حتى يتخرج وهو يعلم تماماً أن والدته لا تمتلك 250 جنيهاً حتى لو باعوا منزلهم لن يكفى مصاريف عامين فى كلية إعلام خاصة، هذه هى مأساة شعبان بل مأساة عشرات الآلاف من الشباب المصرى المجتهد والذى ضاعت أحلامهم فى الالتحاق بالكليات التى كانوا يحلمون بها، لأن الغش ساوى بين المجتهدين والفاشلين، كان المفروض أن أكتب عن قناة السويس الجديدة ذلك الحلم المصرى الكبير الذى تحقق خلال عام واحد ولكننى تأثرت كثيراً بمأساة آلاف الشباب ضحايا المنظومة التعليمية الفاشلة.

والمفترض أننا نبنى المشروعات الكبرى من أجلهم وأننا نجهزهم لتحمل ليس فقط مسئولية هذه المشروعات بل البلد كلها، وزير التربية والتعليم يقول إننا نحتاج إلى 52 مليار جنية للقضاء على الكثافة فى المدارس وهذا التصريح يدل على أنه لا أمل فى إصلاح التعليم لأن المدارس من أول يوم دراسة وهى خالية من الطلاب ونحن فى حاجة إلى طلاب يحضرون ومدرسين يعملون بضمير، الطالب يهرب من فصل فيه 40 أو 50 فى المدرسة إلى «سنتر» الدروس الخصوصية حيث 150 و200 طالب فى الفصل الواحد الفارق أن مدرس «السنتر» يؤدى عمله بضمير، وقد يكون هو نفسه الذى يعمل فى المدرسة ولكن ضميره غائب وجسده أيضاً فهو يتنازل عن حوافزه لمدير المدرسة مقابل عدم تغيبه، إذا كان الوزير لا يعلم ذلك فليسأل أولاده أو جيرانه أو موظفى مكتبه، أو يقرأ هذا المقال ونحن نلخص له الحكاية ببساطة: يا سيادة وزير التربية والتعليم المدارس خالية من الطلاب والمدرسين من أول يوم دراسة عكس ما هو مدون فى كشوف الحضور والانصراف. بعض المسئولين فى المدارس يتواطأون مع المدرسين الذى يعطون دروس خصوصية من السابعة صباحاً، المشكلة ليست فى الكثافة، لأن فصل الدروس الخصوصية فيه أضعاف الفصل المدرسى، ضمير المدرس غائب فى الحكومة وحاضر فى عمله الخاص، كل عام المصريون ينفقون على تعليم أبنائهم أكثر من تكلفة حفر قناة السويس الجديدة،إذا كان أولياء الأمور يعتمدون ويثقون فى الدروس الخصوصية وفى الكتاب الخارجى أكثر من المدارس وكتبها؟ فلماذا إذن تهدر الدولة عشرات المليارات من ميزانيتها على وزارة التربية والتعليم، لابد من خطوات جادة لإصلاح التعليم حتى يكون لنا مستقبل، بتوجيه 80% من طلابنا النابغين للتعليم الفنى ومن يريد التعليم العام يكون على نفقته الخاصة، فمصر تحتاج اليوم للسباكين والنجارين والكهربائيين والميكانيكية أكثر من احتياجها إلى الأطباء والمهندسين والمحامين والمحاسبين.

مذيع ومدير عام بالإذاعة المصرية