رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قناة السويس الجديدة.. حلم طال انتظاره


عشقناها منذ نعومة أظفارنا.. سمعنا عنها الكثير والكثير من معلمينا.. «١٢٠ ألف مصرى» استشهدوا فيها بسبب الجوع والعطش والمرض وسوء المعاملة من الشركة التى أسسها وأشرف عليها الخائن «ديلسبيس» الذى أوعز للخديو سعيد بحفرها بشروط مجحفة بحق مصر.. حفرها مليون مصرى على مدار عشر سنوات متواصلة «١٨٥٩-١٨٦٩» وقت أن كان سكان مصر لا يتعدى التسعة ملايين نسمة.. لم يكتف «ديلسبيس» الفرنسى بنهب إيرادات قناة السويس لصالح بلده لمدة ٩٩ عاماً.. بل تواطأ مع بريطانيا أيضاً لشراء أسهم مصر فى القناة نتيجة الديون التى تسبب فيها الخديو.. قصص وحكايات سمعناها من مدرسينا عن القناة.. وشاء القدر أن تأتى خدمتى بالقوات المسلحة فى هذه البقعة الطاهرة من أرض مصر.. وعلى جانبى خط بارليف الذى هدمه أبطالنا.. قضيت أجمل أيام عمرى.. كنت أجلس لأتأمل القناة وتاريخها وجغرافيتها.. أسترجع مع نفسى وزملائى كيف عبرها ضباطنا وجنودنا فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ بعد حرب الاستنزاف التى ردت إلينا كرامتنا وعزتنا بعد أحداث ٥ يونيه ١٩٦٧.. انظر إلى البواخر والناقلات العالمية العملاقة وهى تعبر القناة فى أمن وسلامة.. أسترجع أيضا ما قرأناه فى مرحلة الطفولة والصبا عن بداية فكرة الحفر فى عهد سنوسرت الثالث - أشهر ملوك الأسرة الثالثة عشرة ١٨٧٤ قبل الميلاد.

منذ هذا التاريخ.. مروراً بفترة الاحتلال الرومانى فى عهد الإمبراطور «تراجان» ١٧ ميلادية.. وحتى الفتح الإسلامى فى عهد الصحابى الجليل عمرو بن العاص وقد فتحت القناة وأغلقت عدة مرات لظروف سياسية وعسكرية واقتصادية مرت بها مصر.. عام ١٦٧٠ أغلقت القناة لمدة ١٥٠ عاماً أخرى خلال الحكم العباسى على يد أبى جعفر المنصور لحماية العباسيين من ثوار الحجاز.. إثر تعرض مصر لأزمات اقتصادية بسبب اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح على يد العالم البرتغالى «فاسكو دى جاما» كان لابد من الإسراع لحفر القناة بعد فترة طويلة من الزمن.. وظل الوضع على ما هو عليه حتى جاء «ديلسيبس» الخائن وعرض فكرة حفر القناة على الخديو سعيد بالخداع والحيل والمكر، وأيضاً بشروط مجحفة بحق مصر منها منح شركته أي أراضٍ مطلوبة لإنشاء القناة أو شق ترعة الإسماعيلية مجاناً من الحكومة المصرية.. تمنح الشركة حق الامتياز لمدة ٩٩ عاماً.. يكون ٨٠٪ من العمال مصريين.. تحصل الشركة على ما تشاء من رسوم السفن التى تمر من القناة أو الترعة ثم لا تحصل مصر إلا على ١٥٪ من صافي أرباح القناة.. وإلخ.. هذه الشروط مهدت فيما بعد وبتخطيط خبيث من «ديلسيبس» إلى بيع حصة مصر على يد الخديو بسبب أزمتها الاقتصادية إلى إنجلترا.

عام ١٨٦٩ تم فتح القناة فى احتفال خرافى شارك فيه رؤساء وملوك وأمراء وسلاطين العالم .. عام ١٩٠٥ حاولت الشركة مد الامتياز إلى ٥٠ عاماً أخرى لكنها فشلت أمام اعتراض وغضب الرأى العام المصرى.. ظل الوضع على ما هو عليه حتى استيقظ الشعب على ثورة عظيمة قام بها الضباط الأحرار فى ٢٣ يوليه ١٩٥٢ ضد الملك فاروق والاستعمار بشكل عام.. نجحت الثورة نجاحاً باهراً.. فى وقت قياسى فاجأنا الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بقرار تأميم لتصبح «قناة السويس شركة مساهمة مصرية».. ترتب على هذا القرار عدوان خسيس قادته كل من فرنسا وإنجلترا ومعهما إسرائيل.. ونجحت الدبلوماسية المصرية آنذاك فى كسب ثقة واحترام العالم بعد هذا العدوان البغيض.. عام ١٩٦٧ تم إغلاق القناة لمدة ٨ أعوام نتيجة أحداث ٥ يونيه ضد مصر من الدولة «اللقيط» بدعم وتخطيط من أمريكا وحلفائها.. عام ١٩٧٥ تم افتتاحها مرة أخرى على يد بطل الحرب والسلام محمد أنور السادات مع التركيز على تحويلها لمنطقة خدمات حيوية عام ١٩٨٠.. فضلا عن عملية توسعتها.

٢٥ يناير ٢٠١١ قامت الثورة ضد الظلم والفساد الذى ساد مصر.. اختطفها إخوان الشياطين بمساعدة أمريكا.. بعد عام أسود من حكم الخونة والعملاء وخداعهم للشعب طوال ٨٠ عاماً.. قام الشعب بثورته العظيمة فى ٣٠ يونيه ٢٠١٣ ليطردهم شر طردة.. فى ٥ أغسطس ٢٠١٤ وقف الزعيم البطل المشير عبد الفتاح السيسى ليفاجئنا بقراره الأسطورى.. التاريخى بحفر قناة جديدة توازى القديمة خلال عام واحد فقط!!.. المصريون قبلوا التحدى لثقتهم وحبهم فى رئيسهم.. هرولوا إلى البنوك لتمويل المشروع الحلم وسط إعجاب العالم أجمع.. وبدأت عملية الحفر بأيد مصرية خالصة وتحت قيادة قواتنا المسلحة.. وتحققت المعجزة بعد عام واحد فقط بفضل الله وإرادة الشعب «إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر». وأصبح الحلم حقيقة .. غداً ٦ أغسطس هو يوم الافتتاح العالمى لقناتنا الجديدة.. غدا ستبدأ أولى خطوات الألف ميل فى إنعاش الاقتصاد المصرى من خلال مضاعفة إيرادات القناة إلى حوالى ٦ أضعاف تقريباً.. غداً سنضع اللبنة الأولى لإعادة التوزيع العمرانى والجغرافى للسكان فى سيناء من خلال مشاريع عمرانية متكاملة تستهدف استصلاح نحو ٤ ملايين فدان.. غداً سيكون متاحاً لدينا إمكانية تنمية محور القناة بإقامة مصانع ومناطق لوجيستية لتستهدف توفير إيرادات سنوية بعشرات المليارات من الدولارات.. غداً سيكون لدينا فرص عمل لحل مشاكل مليون عاطل فى خمس محافظات: شمال وجنوب سيناء- الإسماعيلية- السويس- وبورسعيد.. غداً ستفرح مصر ويفرح معها العالم بمولودها العملاق فى احتفال يليق بعراقة وأصالة وتاريخ ومكانة الشعب الأبى.. «وتعيشى يا مصر فى عزة ونصر.. ويرفرف فوقها علم ونشيد».. فشكراً للقيادة السياسية يتقدمها ابن مصر البار. الرئيس «السيسى» والمسئول الأول عن حفر القناة الفريق «مميش».