رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة يوليو فى عيون الشباب


ثلاثة وستون عاماً مرت على قيام ثورة 23 يوليو التى احتفلنا بها بهدوء وربما الأجيال التى لم تلحقها لا تعلم عنها إلا النذر اليسير على أكثر تقدير وإذا سألت أحدهم ماذا تعرف عن ثورة يوليو؟ وجدت أن إطاره المعرفى لا يتجاوز محتوى عالم الإنترنت و«الفيس بوك» و«تويتر»!! ورغم ذلك لوحظ أن روح ثورة 52 وقائدها جمال عبدالناصر كانا فى نبض الجماهير خاصة الشباب فى ثورتى يناير ويونيه دعونا نعود إلى التاريخ.

العام 1952 مصر فى حالة غليان شعبى جراء فساد الأحزاب وحريق القاهرة الذى دبرته أياد مشبوهة وضياع فلسطين انعكست هذه الحالة على انتخابات نادى الضباط وجاءت النتيجة مبشرة بأن ثمة تغييراً إيجابياً فى الطريق فيما عقد الضباط الأحرار الذين هم وراء تطورات نادى الضباط عقدوا العزم على خروج حركتهم إلى النور وصباح يوم الثالث والعشرين من يوليو لم يكن يدور بخلد أى منهم أنهم على موعد مع أعظم ثورات العالم الثالث وواحدة من كبرى ثورات التاريخ فى العصر الحديث فقد كان أقصى سقف يتمنونه إسقاط الحكومة وتحييد القصر ورحيل قوات الاحتلال ولكن مباركة الشعب للحركة وانضمامه إليها حول الأمور إلى طريق آخر انتقل بالحركة إلى الحديث عن قيام ثورة ترجمت مبادئها الستة الوضع وما ينبغى أن تصبح عليه مصر فى عهدها الجديد وتوسم الضباط الأحرار فى اللواء محمد نجيب واجهة للثورة حتى أدركوا أنه لابد أن يتحملوا المسئولية كاملة وبرز جمال عبدالناصر قائداً وزعيماً للثورة الذى ارتبط مع الجماهير بعلاقة استثنائية ساعدته على مواجهة التحديات التى بدأت مع سحب الغرب لتمويل السد العالى، والحقيقة أنه كان يخوض معركة شرسة فى الداخل والخارج فى الداخل ضد فلول النظام الملكى وأذناب المستعمر البريطانى وجماعة الإخوان وفى الخارج مجموعة الدول التى استكثرت التحرر والاستقلال على مصر فى مقدمتها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وفى 26 يوليو 1956 وجه عبدالناصر ضربة قاصمة لأعداء الثورة بتأميم قناة السويس كى تعود مرفقاً وطنياً إلى أحضان الوطن ويدار بفكر وخبرة مصرية وما هى إلا أشهر قليلة حتى وجهت بريطانيا وفرنسا إنذاراً لمصر لتسليم القناة للإدارة القديمة ولكن إرادة الشعب كانت أقوى من الإنذار الذى تحول إلى عدوان ثلاثى غاشم فشل فى أن يرهب شعب مصر ويعطل مسيرة الثورة التى مضت فى طريق التحرر الوطنى.

وهكذا شعر المواطن المصرى بالفخر والعزة والكرامة، لأن الثورة المصرية بامتداداتها القومية والقارية والعالمية كان لها أكبر الأثر فى انتقال عدوى الثورة إلى العديد من الدول العربية والأفريقية ودول أمريكا اللاتينية وعلى مستوى العلاقات الدولية عرف العالم حركات جديدة مثل حركة عدم الانحياز وحركة التضامن الآفروآسيوى وظهرت مفاهيم جديدة فى السياسة الدولية مثل الحياد الإيجابى والتعايش السلمى وجاءت هذه التطورات فى لحظة انقسم العالم إلى معسكرين شرقى اشتراكى وغربى رأسمالى وكان يجب أن تشق الثورة طريقها بشكل محايد وتنحاز إلى مصلحة الجماهير فى مصر والعالم العربى، حيث كان البعد القومى أهم ما يميز هذه الثورة.

وفى السنوات الأولى من حقبة الستينيات انتقلت مصر من مرحلة التحرر الوطنى إلى مرحلة بناء وتنمية الدولة غير أن عدوان 67 عصف بالثورة ولكن علاقة عبدالناصر بالجماهير حولت الهزيمة إلى نقطة انطلاق من جديد ولم تكن الهزيمة نقطة النهاية ولكنها أضحت نقطة البداية لإزالة آثار العدوان والدخول فى معركة الاستنزاف من أجل استعادة الأرض. هذه هى ثورة يوليو التى كانت مصدر إلهام للشباب وما أشبه الليلة بالبارحة دعونا ندقق الأمر ألسنا اليوم نعيش مرحلة ثورتين ونخوض تحديات داخلية وخارجية ونخوض معركة شرسة ضد الإرهاب ونسعى كى نلتف حول زعيم يقود دولة مؤسسات يحكمها الدستور والقانون ومن ثم نجد أن التاريخ ربما يعيد نفسه كما لوكانت الثورات تتوالد ولكنها لا تتناسخ