رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاسبة المسئول.. خطوة على طريق التقدم


تميز النصف الأول من يوليو 2015 بتعدد قرارات إعفاء أو تنحية مسئولين كبار خاصة فى وزارة الداخلية وفى وزارة الأوقاف والأزهر مما يوحى ببدء مرحلة جديدة فى المحاسبة فى النظام المصرى والذى ربما كان قد نسى أوتناسى إمكان تنفيذ هذا الإجراء.

لكن هذا أيضا يتطلب أن تكتمل جوانبه حتى يحقق الهدف المأمول تحقيقه منه، ومن الطبيعى أن تصاحب مثل هذه الإجراءات انتقادات، كما يستغله البعض لتصفية الحسابات مع الذين اتخذ الإجراء ضدهم، وهو أمر يجب مواجهته بحسم. مبدئياً المحاسبة عنصر مهم فى الإدارة وغيابها يؤدى إلى الانفلات والفساد والتخلف، فما لم يكن هناك تأكد من القيام بالعمل، وعلى النحو الذى يحقق الهدف، ووفقاً للقانون فإن الأجهزة لن تحقق المهام المطلوبة منها، وسيجد العامل أياً كانت درجته مبرراً للتوقف عن تحقيق مهمته، لكن المحاسبة ليست دائماً بالطريقة الصحيحة، ويمكن أن تؤدى إلى نتائج عكسية، كما قد يستخدمها البعض لتحقيق أغراض شخصية بدلاً من ضبط جهاز العمل. وإن متابعة مسيرة حياة كثير من المسئولين تشير إلى أنهم تعرضوا فى مرحلة من مراحل حياتهم المهنية لسوء التقدير وربما المحاسبة الجائرة وهو ما يدعو البعض لاتباع سياسة كان يعبر عنها بعبارة «تشتغل تغلط تتحاسب لا ترقى، ولا تعمل فلا تخطئ فلا تحاسب فترقى».

هنا من المناسب أن نتذكر أنه قد مضت فترة كان هناك حرص على عدم إحراج المسئول عند محاسبته وانتشرت عبارة قبول الاستقالة بدلاً من الإقالة، وربما كانت بسبب الاقتناع بأنه ليس من المتوقع أن يكون جميع المسئولين قادرين على اتخاذ خطوات تتمشى مع الطبيعة الثورية التى سادت فى ذلك الوقت رغم كفاءتهم، وأن هذاالأسلوب أدى إلى تصور البعض أنهم لا يمكن محاسبتهم أو أنهم غير قابلين للمحاسبة وظهر ذلك بشكل خاص بانتهاء ما يمكن تسميته بالمرحلة الثورية، كما أنه صاحب الانتقال إلى سياسة الانفتاح التى صاحبها كثير من الفساد، بل إن البعض اعتبر أن الفساد إحدى وسائل وأساليب تحقيق أهداف المرحلة الجديدة والتى تلخصت فى قوانين السوق والعرض والطلب بما يتناقض مع أساليب المرحلة السابقة.

إن العودة إلى أسلوب المحاسبة ضرورية، واعتبرها البعض مهمة، حتى وإن صاحبها سوء الاستخدام وقصور فى بعض نواحى المحاسبة باعتبار أن كل مرحلة لها عيوبها ويمكن أن يكون هذا من عيوب المرحلة الحالية، وأظن أن هذا خطأ هو الآخر، خاصة إذا وضعنا فى حسابنا أن المحاسبة يمكن أن تكون ظالمة وأن تؤدى إلى النتيجة العكسية بالاتصاف بالتعسف فى تطبيق القانون، والإساءة إلى سمعة الشرفاء، وكذا الإساءة إلى الطموحات المشروعة التى هى من أهم عناصر تقدم الأمة. لذا فإن إعلان محاسبة المسئول يجب أن تكون مصحوبة بأسباب المحاسبة، وإلا نكون قد قمنا بدور الادعاء والقاضى والسجان دون أن نترك للمتهم فرصة للدفاع عن نفسه، خاصة أن هناك كثيرين سيتبرأون منه ويبتعدون عنه بمجرد صدور القرار، ولنتذكر أننا حينما نتعامل مع مسئول كبير أننا لا نتعامل معه شخصياً فقط، بل نتعامل أيضاً مع أسرته والذين تربطهم به روابط شخصية.

ربما سيقول البعض أنه تبقى هناك فرصة أمامه للجوء إلى القضاء الإدارى، وهو صحيح ولكن ليس كافياً، فالقرار يكون معلناً على جميع وسائل الإعلام بينما الحكم قد لا ينشر وإن نشر ففى صفحات الحوادث كما أنه يصدر بعد زمن تكون هناك عواقب قد حدثت قد يستحيل استعادتها. مع هذا السياق استمعت بالصدفة إلى من كان ينتقد قراراً باستبعاد أكثر من رجل دين من الذين تولوا الخطابة الدينبة متذرعاً بأن الأشخاص الذين صدر القرار بحقهم كانوا ضمن لجان مراجعة القرآن الكريم، وكما لو كنا قد استأمناه على القرآن ولم نستأمنه على المنبر، وهنا أعتقد أن ماضى أى فرد لا يجوز أن يكون كافياً للحكم على أفعاله التالية، فكل بنى آدم خطاء، ولقد كان تحذير المولى جل وعلا لأنبيائه ورسله بعد اختيارهم وتكليفهم بالرسالة، وأن سيدنا يونس عليه السلام قد نادى الله من الظلمات «لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين»، ولا أظن أحداً منا يصل إلى مرتبة قريبة منهم. بل الحقيقة أن رجل الدين الذى اكتسب خبرة سابقة يمكن أن يكون أكثر تعرضاً للخطأ، وأظن أن لدينا أمثلة كثيرة لا أريد أن أكررها، بل إن كثيراً من قيادات الجماعة الإرهابية كان ماضيهم سبباً فى خداعهم لنا فى فترة سابقة