رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الموت ينير معنى الحياة


- جاء فى نص للفليسوف لويس لافيل « Louis LAVELLE»: إنه من المستحيل الفصل بين التأمل فى الحياة، الذى نصح به اسبينوزا، اعتقاداً منه أن التأمل فى الموت هو علامة دالة على عجزنا، وبين التأمل فى الموت الذى نصح به أفلاطون اعتقاداً منه أنه يمثل التأمل فى الحياة الحقيقية، ما دام الموت والحياة يشكلان زوجاً سمة التضاد التى تميزه هى التى تصبغ معنى على كل واحد منهما، فليس العدم هو نقيض الحياة وإنما الموت، ثم إن فكرة الموت، أى فكرة أن للحياة نهاية، هى ما يمنح الإحساس بالحياة حدة أكبر، ودفقاً مشاعرياً لا متناهياً، فبمجرد ما تبتعد فكرة الموت عن دائرة تفكيرنا، تغدو الحياة بالنسبة لنا مجرد عادة أو ضربمن التسلية لا غير : وحده حضور الموت يجبرنا على النظر إليها وجهاً لوجه، فالشخص الذى يشيح بوجهه عن الموت بغاية الظفر بأقصى قدر من التمتع بالحياة، يشيح بوجهه كذلك عن الحياة، وفى سعيه نحو نسيان الموت ينتهى إلى نسيان الموت والحياة معاً .

- إن كون حياتنا، التى تبدأ من جديد كل صباح، تنتهى بالموت وتذهب إلى غير رجعة، هو ما يجعلها فى نظرنا مطلقة، يلزم استنفاد رصيدها مرة واحدة، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن مأساة الحياة تزداد بالنسبة لنا حينما نفكر فى استمرارها السرمدى، لكن فى عالم لا يكون لنا فيه وجود : ففيما يتعلق بنا الحظوظ وزعت مرة واحدة وإلى الأبد، وإذا ما خالفنا الموعد معها فلا مجال للتعويض .

- إذا كان الموت هو من ينير معنى الحياة، فإن الحياة من جهتها هى التى تمكننا من تعلم، وإذا جاز القول، من تجربة الموت، لأن الذى خبر الموت، وحده يستطيع الانتشاء بلب الحياة القادرة، عند قبوله كل الميتات الجزئية التى يلحقها الزمن بلحظات وجوده المعزول على الدخول إلى ذلك العمق الخفى، هناك حيث تستمد كل العقول العنصر الذى يمنحها الخلود .

- إن تأمل الموت بإجباره إيّانا على إدراك حدودنا، يجبرنا فى الوقت ذاته على تخطيها، انه يكشف لنا عن كونية الكائن وتعاليه على وجودنا الفردى، وهو، بذلك، يفتح لنا المنفذ، ليس فقط نحو حياة مستقبلية ذات طبيعة مؤقتة فى جميع الأحوال، ولكن نحو حياة ما وراء طبيعية، تخترق وتغمر مجمل حياتنا الظاهرة، لا يجدر بنا لا إرجاءها ولا حتى التحضير لها ولكن، منذ اللحظة.

برلمانى سابق