رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناريوهان للحرب على داعش ..؟


لا يعد أىُ تشكيل عصابى " إرهابياً "ً إلا إذا شَكَّل ضراراً بالغا على حياة الأفراد وأمنهم .. وكذا على استقرار المجتمعات وسبل نهضتها .. ويصبح " إرهابا أسوداً "عندما يكفر المجتمع ويعلن الحرب على الدولة.. وأقوى التشكيلات العصابية هى تلك  التى تتبنى قضايا مرتبطة بالدين أو بالدفاع عن الوطن .. نظراً لما تتلقاه  هذه التشكيلات من  تعاطفٍ ومساندة من أطياف شعبية عديدة، وربما من خارج مجتمعاتها ..! ففى الوقت الذى يصنفها البعض بأنها جماعة " إرهابية " يراها آخرون بأنها جبهة " وطنية" .. فمثلا حماس جماعة وطنية رغم خروجها على السلطة الفلسطينية نظرا لاستهدافها الدفاع عن الوطن الفلسطيني ضد المحتل الصهيوني .. وداعش التى يراها البعض جماعة  " إرهابية "  تراها أطياف " سورية " و "عراقية " بأنها جبهة وطنية تشكلت لـ "مقاومة " التمييز الديني والمد الشيعي فى الشام والعراق،  وربما فى المنطقة العربية قاطبة..!! ولعل ذلك ما يبرر ارتفاع أعداد المشاركين بهذه العصابات من سوريا والعراق على وجه التحديد .. حيث بلع عدد السوريين والعراقيين فى داعش حوالي  ثمانين ألفاً..!! ، بينما لم تتجاوز أعداد المصريين المنضمين لداعش عشرة آلافـ .. انضم معظمهم بعد  عزل مرسى وسقوط دولة الإخوان ..!!

ونظرا لطبيعة مجتمعاتنا العربية والتى تقوم ثقافتها على  " القبلية " وتنحر فى أواصرها " الطائفية " .. يصبح التشكيل العصابى الديني تشكيلاً "هولامياً "ربما يحتاج وقتا أبرح لاستئصاله .. حيث يسبح الإرهاب فى دماء الطائفية ، ويتستر ويتخفى  فى عباءة " القبلية " .. وتجمع أعضاءه وحدة الهدف .. الذى مقرون بالعقيدة الدينية المشوهة فى ذهنية هؤلاء المتطرفين ؛ مما يجعلهم لا يأبهون بـ " الموت " ..!  بخلاف التشكيلات العصابية الأخرى التى هدفها " المادة " .. يجتمعون عليها ويتفرقون من أجلها..! ويظهر ذلك جليا فى موقف السلطان صلاح الدين الأيوبي حينما أرسل  إلى زعيم الحشاشين " سنان شيخ الجبل " رسالة يهدده فيها بالإبادة .. فرد عليه " شيخ الجبل " برسالة قال له فيها : وصلنا تهديدك فاصنع ما شئت .. " فلا يمكنك أن تهدد " بطة " بأن تلقيها فى النهر ..!! وإذا تسلمت رسالتنا؛ فترحم على نفسك واقرأ عليها أول "النحل " وآخر " صاد" ...!!

وهنا تصبح السياسات " العقابية " التى تسلكها الدول فى مجابهة الإرهاب ليست كفاية .. وأن انتهاج سياسات "إصلاحية " فى كل قطاعات الدولة ربما يكون أداة قوية فى منع " التفريخ " وقطع المدد..!! ومن ثم لا يصبح أمام الدول للقضاء على الإرهاب سوى السير فى أحد " دربين " أو فى كليهما.. الدرب الأول يتمثل فى إحكام القبضة الأمنية من خلال رصد ومحاصرة البؤر الإرهابية، أيً كان عددها؛  تمهيداً لـ" دكها " عسكريا مهما بلغت التكلفة.. مثلما فعل هولاكو بالحشاشين فى فارس إبان القرن الثالث عشر الميلادي ..  ولكن هل تستطيع الجيوش العربية أن تنتهج طريق " هولاكو"..؟ خاصة وأن الإرهابيين يتخفون فى عباءة الأبرياء ومساكنهم .. وأن قذائف الجيش قبل أن تسقط على بؤر الإرهاب ربما تجتث أرواح كثير من الأبرياء .. فيتهم الإعلام والحقوقيون الجيوش بالوحشية. ويُفتَح الباب على مصرعية لممارسة ضغوطاً دولية ..و" تفريخ " مزيدا من الإرهابيين بدعوى مشروعة مفادها: مقاومة " الاستبداد "  ..!! وهنا السير فى درب احتواء هذه العصابات الإرهابية والاعتراف " الصوري " بأهدافها وغض الطرف عن مخططاتها هو الطريق الأكثر أمنا فى القضاء عليها. فهو نفس الطريق الذى سلكه الظاهر " بيبرس " فى إبادة الحشاشين فى بلاد الشام . حيث تمكن من احتوائها وتسييس أهدافها .. حتى بات هو صاحب القرار فى تعيين زعيم الحشاشين .. وهو نفسه من يملك قرار إقالته ..!! وهو نفس الطريق أيضا الذى سلكته الحكومة الايطالية والاستخبارات الأمريكية فى التعامل مع عصابات المافيا هناك .. حتى باتت تلك العصابات هى المتحكم الرئيسي فى الاقتصاد الأمريكي وهى فى الوقت ذاته ذراع أمريكا الأقوى والخفي فى التعامل مع خصومها داخليا وخارجيا..!!

ورغم أن هذا الطريق يحمل مخاطرة كبيرة لا تقل عن الدرب الأول .. بيد أن الدولة لا تستطيع أن تسلك أى الطريقين دون أن يكون لديها "خطة " جادة لإذكاء الوعي الديني والسياسي، بشكل يضمن لها تكاتف الشعب مع الجيش فى مواجهة الإرهاب ...

 [email protected]