رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحلقة الخامسة من كتاب حمادة إمام «مخابرات الجماعة إخوان وجواسيس»

"الهضيبى" للإنجليز: مستعدون لقبول جميع الشروط بلا نقاش حتى لا يتم الجلاء على يد "عبد الناصر"

جريدة الدستور

أبو رقيق: لو بحث الإخوان فى العالم كله عن صديق فلن يجدوا سوى بريطانيا العظمى.

اتفاق ثلاثى تاريخى بين بريطانيا وأمريكا والإخوان على ضرورة إسقاط نظام عبد الناصر وأى نظام وطنى آخر.

فى الحلقة الخامسة من كتاب الزميل حمادة إمام «مخابرات الجماعة.. إخوان وجواسيس» يستعرض الزميل الاتصالات البريطانية والأمريكية المحمومة مع قيادات ورموز الإخوان المسلمين، وهى الاتصالات التى اتخذت الطابع السرى وفيها قدم الإخوان كالعادة تنازلات جوهرية وأساسية للبريطانيين وقبلوا بأمور مجحفة ومخجلة مقابل أن يتم جلاء الإنجليز عن مصر بواسطتهم وأبدوا استعدادهم لتولى حكم مصر فور سقوط نظام ٣٢ يوليو بقيادة جمال عبد الناصر فى عدوان 6591، ووصل بهم الأمر إلى حد أن صالح أبو رقيق أحد أبرز قادة الجماعة قال لمستشار السفارة البريطانية فى مصر «إن الجماعة لو بحثت فى كل أرجاء الأرض عن صديق فلن تجد سوى بريطانيا العظمى».

عموماً هذا الفصل يظهر العمالة الصريحة التى تتسم بها حركة الإخوان وولاؤهم التام لولى نعمتهم بريطانيا العظمى ودورهم بالتعاون مع الرجعية العربية فى السعودية والأردن لمحاولة ضرب وتحجيم مصر عبد الناصر.

وفى أوائل ١٩٥٣، اجتمع مسئولون بريطانيون مباشرة بالهضيبى ظاهرياً لمعرفة موقف الإخوان تجاه المفاوضات الوشيكة بين بريطانيا والحكومة المصرية الجديدة بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر، وكانت اتفاقية العشرين عاماً الموقعة فى ١٩٣٦ توشك أن تنتهى بعد فترة وجيزة كما هو مقرر، وحيث إن بعض الملفات البريطانية لاتزال قيد الرقابة، فليس من المعروف على وجه الدقة ما الذى حدث فى هذه الاجتماعات، لكن ريتشارد ميتشل، المحلل الغربى الرئيسى لشئون الإخوان المسلمين المصريين، وثق فيما بعد ما قاله عنه مختلف الأطراف، الحكومتان البريطانية والمصرية والإخوان المسلمون، ويخلص ميتشل إلى أن دخول الإخوان فى هذه المفاوضات تم بطلب من البريطانيين وآثار صعوبات بالنسبة لمفاوضى الحكومة المصرية، موفراً «للجانب البريطانى أداة للتأثير»، والواقع أن البريطانيين فى سعيهم لاستطلاع وجهات نظر الإخوان المسلمين، كانوا يلمون بوزنهم فى شئون الأمة، كان الهضيبى فى موافقته على إجراء المحادثات، يدعم هذه الفكرة وبذا يضعف موقف الحكومة، وأدانت حكومة عبدالناصر هذه الاجتماعات بين البريطانيين والإخوان باعتبارها «مفاوضات سرية من وراء ظهر الثورة» واتهمت المسئولين البريطانيين صراحة بأنهم يتآمرون مع الإخوان كما اتهمت الهضيبى بأنه قبل شروطاً معينة للجلاء البريطانى من مصر تغل أيدى مفاوضى الحكومة.

إن الاستراتيجية البريطانية هى استراتيجية فرق تسد التقليدية، والتى تهدف لاكتساب «وسيلة للتأثير على النظام الجديد فى سعيه لتحقيق مصالحة» واستغلال البريطانيين للإخوان المسلمين لم يكن يمكن إلا أن يفاقم التوترات بين النظام والإخوان ويقوى مركز الأخيرين. وتبين مذاكرات داخلية بريطانية أن مسئولين بريطانيين أخبروا عبدالناصر عن بعض اجتماعاتهم مع الهضيبى وغيره من أعضاء جماعة الإخوان وطمأنوه بالطبع بأن لندن لا تفعل شيئاً فى الخفاء بيد أن حقيقة إجراء المفاوضات نفسها زرعت بلا ريب الشك فى عقل عبدالناصر بشأن جدارة الإخوان بالثقة، وفى ذلك الوقت كان المسئولون البريطانيون يعتقدون أن الإخوان وجماعتهم شبه العسكرية كانا رهن إشارة السلطان العسكرية وأن الإخوان كانوا يريدون أن يدفع النظام نوعاً من الثمن السخى لتأييدهم له، مثل تطبيق «دستور إسلامى». كما تحتوى الملفات على مذكرة عن اجتماع عقد بين المسئولين البريطانيين والإخوان فى ٧ فبراير ١٩٥٣، أخبر فيه شخص اسمه أبورقيق المستشار الشرقى للسفارة البريطانية، تريفور ايفانز، أنه «إذا بحثت مصر فى كل أرجاء العالم عن صديق فلن تجد سوى بريطانيا» وفسرت السفارة البريطانية فى القاهرة هذا التعليق بأنه يكشف عن وجود مجموعة داخل قادة الإخوان مستعدة للتعاون مع بريطانيا، حتى وإن لم تتعاون مع الغرب.

وأصبح الاستعداد الجلى للتعاون بين البريطانيين والإخوان أكثر أهمية بحلول نهاية ١٩٥٣، ففى ذلك الوقت كان نظام عبدالناصر يتهم الإخوان بمقاومة الإصلاح الزراعى وتدمير الجيش من خلال «جهازهم السرى» وفى يناير ١٩٥٤، تصادم أنصار الحكومة والإخوان فى جامعة القاهرة، وأصيب عشرات الأشخاص وجرى إحراق سيارة جيب تابعة للجيش ودفع هذا عبدالناصر إلى حل التنظيم، وكان من بين القائمة الطويلة من الاتهامات الموجهة للإخوان فى مرسوم الحل، الاجتماعات التى عقدها الإخوان مع البريطانيين، التى رفعها النظام فيما بعد إلى مستوى «معاهدة سرية».

وفى أكتوبر ١٩٥٤، وهو الوقت الذى كان الإخوان يسعون فيه إلى إثارة انتفاضة شعبية، حاول «الجهاز السرى» اغتيال عبد الناصر وهو يخطب فى الإسكندرية.

وبعد فشل محاولة اغتيال عبد الناصر، بعث إليه ونستون تشرشل - رئيس الوزراء - رسالة شخصية يقول فيها: «أهنئك بنجاتك من الهجوم الخسيس الذى وقع على حياتك فى الإسكندرية مساء أمس»، بيد أنه سرعان ما بدأ البريطانيون يتآمرون مرة ثانية مع الناس أنفسهم لتحقيق الغايات نفسها.

لندن ١٩٥٥
فى يوليو ١٩٥٥، لاحظ السير رالف ستيفنسون - السفير البريطانى فى القاهرة - الذى كان قد تقرر رحيله، أن النظام كان «جيداً بقدر ما كانت أى حكومة مصرية سابقة منذ ١٩٢٢، وهو أفضل من أى نظام فى إحدى النواحى، ألا وهو محاولته أن يفعل شيئا لشعب مصر بدلاً من مجرد الحديث عنه»، وحاج ستيفنسون هارولد ماكميلان - وزير الخارجية فى حكومة أنطونى إيدن - بأنهم «قادة مصر» يستحقون، فى رأيى كل مساعدة تستطيع بريطانيا العظمى أن تقدمها لهم على الوجه الصحيح، وبعد كتاب هذه المذكرة بتسعة أشهر، قرر البريطانيون إزاحة عبد الناصر.

كان البريطانيون والأمريكيون قد أصبحوا منخرطين حينذاك فى تشكيلة متنوعة من المؤامرات للانقلاب ضد سوريا والسعودية، وكذلك مصر، باعتبارها جزءاً من عملية إعادة تنظيم أكبر مخطط للشرق الأوسط لدحر «فيروس القومية العربية»، وحسبما جاء فى مذكرة بالغة السرية لوزارة الخارجية، فإن أيزنهاور - رئيس الولايات المتحدة - وصف البريطانيين «الحاجة إلى خطط ميكافيلية رفيعة المستوى للتواصل لوضع فى الشرق الأوسط موات لمصالحنا»، يمكنه أن «يقسم العرب ويهزم أهداف أعدائنا».

عمان ١٩٥٦
فى مارس ١٩٥٦، عزل حسين - ملك الأردن - الجنرال البريطانى جون جلوب - قائد الفيلق العربى - وهى خطوة حمل إيدان وبعض المسئولين البريطانيين مسئوليتها لنفوذ عبدالناصر، وعندئذ كانت الحكومة البريطانية قد خلصت إلى أنها لم تعد تستطيع العمل مع عبدالناصر، وأن تخطيطا بريطانياً وأمريكياً جاداً للإطاحة بنظامه قد بدأ، وأخبر إيدن وزير خارجيته الجديد، أنطونى ناتنج أنه يريد «اغتيال» عبدالناصر، وكان هذا قبل اتخاذ الأخير لقراره بتأميم قناة السويس فى يوليو ١٩٥٦، وهو عمل «كان من المحتم أن يؤدى إلى خسارة مصالحنا ومصادر قوتنا الواحدة تلو الأخرى فى الشرق الأوسط»، كما شرح إيدن فى مذكراته، خائفاً من تأثير التداعى الذى سيترتب على الإجراء الذى اتخذته مصر، وقد شرح الموقف إيفون كيرباتريك - الوكيل الدائم لوزارة الخارجية - قائلا: «إذا سمحنا لعبد الناصر أن يفلت بضربته فى قناة السويس، فإن العاقبة ستتمثل فى القضاء على الملكية فى السعودية»، وذلك لخوفه من أن تستلهم القوى الوطنية تحدى عبدالناصر الناجح للغرب فى مصر.

جنيف ١٩٥٦
فى أوائل ١٩٥٦ ومع تصاعد حدة الخلاف بين عبدالناصر والإنجليز عقد اجتماع مطول فى جنيف ضم ستيفن درويل أن نيل «بيل ماكلين» المسئول التنفيذى السابق عن العمليات الخاصة وعضو البرلمان- وجوليان إيمرى - سكرتير مجموعة السويس - من أعضاء البرلمان، ونورمان دارشير - رئيس محطة المخابرات الخارجية البريطانية فى جنيف - مع الإخوان المسلمين لوضع خطة للتخلص من عبدالناصر رداً على قراره بتأميم قناة السويس. وإقامة حكومة فى المنفى تحل محل عبدالناصر بعد حرب السويس، وفى سبتمبر ١٩٥٦ كان إيفون كيرباتريك - مساعد وزير الخارجية البريطانية - على اتصال مع مسئولين سعوديين فى جنيف أخبروه بوجود «معارضة سرية ضخمة لعبد الناصر هناك»، والواقع أنه كان يخشى أن يؤدى استيلاء عبدالناصر على قناة السويس إلى القضاء على المقاومة المصرية، وهو ما يحتمل أن يعنى الإخوان المسلمين.

روما ١٩٥٦
كان المسئولون البريطانيون يرصدون بانتباه أنشطة الإخوان المعادية للنظام، ويعترفون بأنها قادرة على أن تشكل تحدياً جاداً لعبد الناصر، وهناك أيضا أدلة على أن البريطانيين أجروا اتصالات مع التنظيم فى أواخر ١٩٥٥، عندما زار بعض الإخوان الملك فاروق الذى كان حينذاك منفياً في إيطاليا بحث التعاون ضد عبدالناصر، ومنح حسين ملك الأردن قادة الإخوان جوازات سفر دبلوماسية لتيسير تحركاتهم لتشكيل تنظيمات ضد عبدالناصر، فى حين قدمت السعودية التمويل، كما وافقت وكالة المخابرات المركزية على تمويل السعودية للإخوان ليعملوا ضد عبدالناصر، حسبما قال روبرت باير - المسئول السابق بالوكالة.

القاهرة ١٩٥٦
فى أغسطس ١٩٥٦، اكتشفت السلطات المصرية حلقة تجسس بريطانية فى البلاد وألقت القبض على أربعة من رعايا بريطانيا، منهم جيمس سوينبرون وكان يعمل مدير أعمال فى وكالة الأنباء العربية، وهى واجهة لهيئة المخابرات المركزية فى القاهرة، وتم طرد اثنين من الدبلوماسيين البريطانيين تورطا فى جمع الاستخبارات، ومن الواضح مثلما لاحظ درويل أنهما كان على اتصال «بعناصر طلابية لها اتجاهات دينية» بفكرة «تشجيع أعمال الشغب التى يقوم بها الأصوليون والتى يمكن أن توفر مسوغاً للتدخل العسكرى لحماية أرواح الأوروبيين».

وفى أكتوبر، شنت بريطانيا فى تحالف سرى مع فرنسا وإسرائيل، غزوا على مصر للإطاحة بعبد الناصر، لكن رفض الولايات المتحدة تأييد التدخل هو فى الأساس الذى أوقفه، وتم الاضطلاع بالغزو والبريطانيون يدركون أن الإخوان المسلمين قد يصبحون المستفيد الأول ويشكلون حكومة ما بعد عبدالناصر وتبين المذكرات أن المسئولين البريطانيين كانوا يعتقدون فى هذا اليسناريو القائم على «الاحتمال» أو «الترجيح» ومع ذلك ففى انعكاس لصدى نتائج تقييم لكاشانى زعيماً محتملاً فى إيران، خشى المسئولون البريطانيون من أن ينتج استيلاء الإخوان على السلطة، «شكلاً أكثر تطرفاً من الحكم» فى مصر، ومرة ثانية، فإن هذا لم يوقفهم عن العمل مع هذه القوى.

لندن ١٩٥٧
بعد هزيمة عبد الناصر للبريطانيين ببضعة أشهر، كان تريفور ايفانز - وهو المسئول الذى قاد الاتصالات البريطانية مع الإخوان قبل أربع سنوات - يكتب مذكرات فى مطلع ١٩٥٧ يوصى فيها بأن «اختفاء نظام عبدالناصر.. يجب أن يكون هدفنا الأول».

وفى الشرق الأوسط، اختارت بريطانيا والولايات المتحدة دحر انتشار القومية العربية بدعم الدولة الأشد اتسامًا بالطابع المحافظ فى المنطقة: السعودية

واشنطن ١٩٥٦
كتب ويلى موريس وهو سفير فى السعودية أنه «فى نحو ١٩٥٦، واتت الرئيس أيزنهاور واحدة من أفكاره السياسية النادرة وظن أن الملك سعود يمكن تنصيبه تطبيقًا للقول: مثلما تكونون يولى عليكم على العالم الإسلامى، لمنافسة عبد الناصر فى مصر وبالمثل كتب أيزنهاور فى مذكراته:

هناك عامل أساسى فى المشكلة هو نمو طموح عبدالناصر والإحساس بالقوة الذى اكتسبه من ارتباطه بالسوفييت، واعتقاده أنه يستطيع أن يبزغ قائدًا حقيقًا للعالم العربى بأسره.. ولدحر أى حركة فى هذا الاتجاه نريد تقصى إمكانية إقامة الملك سعود كثقل موازن لعبد الناصر.

وكان سعود رجلاً كنا نأمل فى أن يستطيع فى النهاية منافسة عبدالناصر بصفته قائدًا عربيًا، إن السعودية بلد يضم الأماكن المقدسة للعالم الإسلامي، والسعوديون يعتبرون أشد العرب تدينًا ومن ثم فإن الملك ربما كان يمكن تنصيبه زعيمًا روحيًا، وبمجرد إنجاز ذلك نستطيع البدء فى المطالبة بحقه فى القيادة السياسية.
وبحلول أواخر الخمسينيات كان البريطانيون قد روضوا أنفسهم وقبلوا صعود قوة السعودية التى دعمته الولايات المتحدة، حيث إنه لم يكن لدى لندن خيار آخر ومن ثم أصبحوا مدركين لجدوى استخدام السعوديين نيابة عن الإنجليز والأمريكيين فى العمليات السرية فى المنطقة وفى ١٩٥٨، انتشر إدعاء بأن السعوديين رشوا ضباطا فى الجيش السورى بما يصل إلى مليونى استرلينى لإسقاط طائرة عبدالناصر بقصفها وهو فى طريقه إلى دمشق - وقد افتضحت المؤامرة ولوح عبد الناصر فيما بعد بالشيك الخاص بذلك أمام وسائل الإعلام.

فإن السعوديين دفعوا أيضًا لحسين ملك الأردن ٥ ملايين استرلينى فى ١٩٦١ لتمويل مؤامرة بدوية لاغتيال عبدالناصر فى دمشق وليس من المعروف ما إذا كانت لندن أو واشنطن متورطتين فى هاتين المؤامرتين، لكن لا ريب أنهما رحبتا بهما.

دمشق ١٩٥٦
اتخذت الخطط الأنجلو أمريكية لدحر القومية العربية أشكالاً أخرى غير تعزيز مكانة السعوديين ففى ١٩٥٦ - ١٩٥٧ كانت هناك على الأقل مؤامرتان أنجلو أمريكيتان خططتا للإطاحة بحكومتين فى سوريا وإن لم ينفذ أى منهما فى نهاية الأمر، ويبين التخطيط الكامن وراءهما رغبة أنجلو أمريكيا للعمل مع الإخوان المسلمين مرة ثانية.

وكانت المشكلة بالنسبة لبريطانيا فى سوريا هى أنه عقب سلسلة من الانقلابات العسكرية منذ أواخر الأربعينيات شمل تعاقب من الحكومات مسئولين من حزب البعث القومى، الذين كانوا يؤيدون سياسة عبدالناصر المعادية للإمبريالية ويدعون لإقامة علاقة وثيقة مع موسكو.

لندن ١٩٥٦
فى فبراير ١٩٥٦، لخصت إدارة المشرف فى الخارجية البريطانية الوضع على نحو جامع فقالت «إن الحكومات «فى سوريا» غير مستقرة والجيش منخرط فى السياسة بصورة عميقة ويتزايد خضوعه لليسار المتطرف وهناك قدر كبير من التسلل الشيوعى وقد أبرم السوريون توا صفقات أسلحة ضخمة مع الكتلة السوفيتية وكل الأسباب تدعو للمحاولة وإنقاذ سوريا قبل أن يفوت الأوان، لكن هذا التقرير نفسه يسلم بأن العمل المباشر من قبل بريطانيا سيكون خطرًا «بسبب ردود الفعل القومية العربية والانعكاسات الدولية واحتمال ترسيخ هذه العناصر المعادية لنا فى سوريا» ومن ثم فضلت الخارجية تجنيد العراق وهو «شقيق عربى» للقيام بمهمة «كسب سوريا إلى صفنا».

وفى الشهر التالى، وافق مجلس الوزراء البريطانى على أنه ينبغى القيام بمحاولة جادة لتشكيل حكومة سورية أكثر موالاة للغرب «لشد سوريا إلى مسار اليمين»، كما قال مايكل رايت سفير بريطانيا فى بغداد، وكان ما سمى بتوزيع مسئولية العملية على أطراف شتى الذى وضع بالتعاون مع واشنطن مؤامرة طموحة للقيام بانقلاب فى دمشق، ومثلما وصف جورج يونج - نائب مدير هيئة المخابرات الخارجية البريطانية العملية- فقد كان من المقرر أن تفتعل تركيا حوادث على الحدود، ويحث العراق قبائل الصحراء والحزب الشعبى السورى فى لبنان على التسلل عبر الحدود حتى تبرر حالة الفوضى الجماعية استخدام القوات العراقية الغازية».

كذلك كان السيرجون جاردنر السفير البريطانى فى دمشق يريد تقديم الأموال لحزب التحرير العربى المعادى لليسار لإجهاض التحركات الرامية لإقامة اتحاد بين مصر وسوريا، وتمثلت سمة أساسية للمؤامرة البريطانية فى «ضم سوريا - لدولة العراق» كما قال سلوين للويد وزير الخارجية لأنطونى إيدن، وذكر له أنه ينبغى عدم القيام بهذه المحاولة الآن لكن «ربما نرغب فى أن نمضى فيها قدما فى مرحلة لاحقة فى ارتباط مع التطورات فى الهلا الخصيب وإلى جانب مفاتحة القبائل الموجودة على الحدود بين سوريا والعراق فى الموضوع انطوت خطة «توزيع المسئولية بين أطراف شتى»، على محاولة تجنيد الإخوان المسلمين لإثارة القلاقل فى البلاد، وكان المسئولون البريطانيون مدركين تمامًا للقوة السياسية المتصاعدة للإخوان المسلمين وفى ديسمبر ١٩٥٤ أخبر جاردنر أنطونى إيدن، الذى كان وزيرًا للخارجية حينذاك بأنه «تم تنظيم مظاهرات فريدة فى ضخامتها فى سوريا بواسطة الإخوان المسلمين جرت بعد تضييق مصر الخناق على هذه الحركة ولاحظ مسئول آخر أن الإخوان نجحوا فى زمن قصير نسبيًا فى خلق مركز نفوذى قوى لهم فى سوريا لكن آثار ذلك لم تكن إيجابية بالنسبة لمصالح بريطانيا، حيث إن ذلك لن يؤدى إلا إلى زيادة الاتجاهات القائمة إلى القومية والمعادية للغرب.