رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

... وأن أحترم الدستور والقانون


هذه عبارة يرددها كل مسئول فى مصر تقريباً عند توليه مسئولية عامة، وأعتقد أن أغلب من يرددونها، وربما كلهم، مخلصون حين يرددونها.

 ولكنهم يفاجأون أحياناً بأن الدستور والقانون هما كوابح لانطلاقهم فى مجال عملهم، وأن هذا كثيراً ما يتعارض مع جزء من اليمين الدستورية أو القانونية والتى تقول أن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وينطبق هذا فى أغلب الأحوال مع المسئولين ويبدو أننا نواجه نفس المشكلة مع مشروع قانون الإرهاب، والحقيقة أننى أفكر فى هذه القضية منذ كانت لجان الدستور تجتمع لوضع الدستور، وخصوصاً حينما سئلت عن رأيى فيما جاء عن القوات المسلحة والدفاع فى الدستور سواء عام ٢٠١٢ أو عام ٢٠١٣، وكانت القضية هل نحن نؤسس لأحلامنا وما نسعى لتحقيقه وبغض النظر عن الواقع؟ أم أننا نسجل ما اتفقنا عليه فعلاً كمجتمع مصرى، وماذا سنفعل فى مواجهة العقبات التى تقف حائلاً دون تطبيق الدستور والقانون، خاصة أن بعضها لا يتعلق بسلطة معينة مجردة، بل بعادات وتقاليد اجتماعية، وظروف نعيشها، فالمؤكد بالنسبة لى أننا ونحن نسعى لصياغة الدستور سعينا إلى بناء مجتمع مثالى، فى حين أن المجتمع بعيد عن المثالية، بل وهناك عادات وتقاليد هى فى طبيعتها مخالفة للقانون والدستور وقد وافقنا على الدستور ونحن تدفعنا رغبة فى إظهار التأييد للثلاثين من يونيه ولما قامت به القوات المسلحة من تأييد للشعب.

تجىء هذه الأفكار وأنا أتابع مناقشات طويلة حول قانون مكافحة الإرهاب والذى وافق عليه من مجلس الوزراء وبقى أن يوقع عليه رئيس الجمهورية لكى يصبح فاعلاً وهو ما أرجو ألا يحدث، حيث يبدو لى أن القانون قد يبدو مخالفاً للدستور، وبذلك يمكن فى أول قضية حول تطبيقه أن تحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته، كما أتوقع أن يطعن أول متهم وفقاً للقانون فى دستوريته، وقد يكون معترفاً بما اقترفه لكن عدم الدستورية يجب الكل ولست شخصياً معترضاً عليه، ولا أنا خبير فى الشئون الدستورية والقانونية، ولكن ما يدور فى المناقشات يوحى بأن نصوص القانون تبدو متعارضة مع بعض مواد الدستور، وذلك رغم احترامى للقانون وللدوافع التى أدت إلى صياغة المواد التى عليها اعتراض، ومع تقديرى الكامل لأوضاع القوات المسلحة والشرطة والتى أصبحت تتطلب نوعاً من الحسم يحاول القانون أن يحققه.

إن هذا الوضع القانونى يحتاج إلى مواجهة، حيث يمكن أن تصدر أحكام بعدم دستورية كثير من القوانين نتيجة لعدم اتفاقها مع الدستور، ومنها الموازنة العامة، حيث نص الدستور على نسب من الاعتمادات لبعض العناصر مثل التعليم والصحة لا أظن أننا قادرون على تحقيقها خاصة فى ظروف العمل على تحقيق مستوى عال من التنمية، وفى ظروف أظن أننا سنظل نواجهها مع جماعات الإرهاب لزمن ليس بالقصير، وهنا ربما يأتى مشروع قانون مكافحة الإرهاب، وأظن أنه قد آن الأوان لعقد مؤتمر مصرى حول الإرهاب يضع استراتيجية مواجهة شاملة للإرهاب بما فيها العمل فى ظروف مواد الدستور الذى وافقنا عليه وأصبح من واجبنا أن نحترمه ونبتكر من الأساليب التى تحقق الهدف المطلوب، ولا تتعارض فى نصوصها مع الدستور. ويجب هنا أن نبذل جهداً مناسباً لشرح الهدف والضرورة، حدث هناك من هم متحمسون للعمل الحاسم ضد الإرهاب حتى وإن تعارض مع الدستور، ورغم حسن نية الكثيرين فى هذا المجال، فإن التجربة تشير إلى خطئه حيث تكون عيوبه ومخاطره أكثر من فوائده.

أظن أن كثيراً مما جاء فى مشروع قانون مكافحة الإرهاب وارد فى مواد القانون الحالى ودون تعديل، ولذلك فقد يكون حذف هذه المواد مفيداً، فالمعروف أن القانون يعترف بحق الدفاع الشرعى عن النفس، وهو ما جاء فى أحد نصوص القانون المقترح، حيث يشير إلى أن العاملين على تنفيذ القانون لا يحاسبون على أعمالهم التى اضطروا إليها للدفاع عن النفس أو شىء من هذا القبيل، وهناك مواد أخرى تشير إلى النية أو التعمد وهى واردة أصلاً فى القانون الحالى، وهناك ما جاء عن التحضيرات للجرائم الإرهابية ويبدو أن هناك حاجة لتوضيح المقصود بها، ثم هناك ضرورة عرض القانون على نقابة الصحفيين قبل إقراره وهو أمر أفضل القيام به حتى تضمن أن تكون مؤسسات المجتمع المدنى مؤيدة للقانون، بل ولأى قانون يكون فى الطريق وله وضع مشابه، والحقيقة أننا فى وقتنا هذا فى حاجة إلى كل تأييد وكل اعتراف بشرعية القوانين.