رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن الشائعات.. فتبيَّنـــــــــــوا !!


استوقفتنى عبارة أعتقد اعتقاداً راسخًا أنها صحيحة بنسبة كبيرة مفادها: أن الإشاعة يطلقها الحاقد، وينشرها الأحمق، ويصدقها الغبى ! وبقدر مااستوقفتنى هذه العبارة فإنها قامت بتحريك مجموعة من التداعيات المختزنة فى العقل الباطن عن ذكريات الطفولة، حيث كانت «الجدَّة» تقص علينا ماأسميناه بـ «نوادر جحا» الشهيرة فى تراث أدبنا العربى.

... ومنها أن «جحا» أطلق شائعة عن وجود «عُرس» فى الجهة الأخرى من القرية يحفُل بمالذ وطاب من أطايب الطعام من اللحم والثريد والفالوذج، فهرول الصبية والبسطاء والدهماء إلى حيث أشار للحاق بأطايب الطعام تلك، وعندما رأى «جحا» هرولة كل هذه الجموع الغفيرة إلى الجهة الأخرى من القرية، خيِّل إليه أن هناك بالفعل عُرسًا حقيقيًا.. فاندفع خلفهم إلى حيث العرس الوهمى الذى صنعه خياله المريض.

وبقدر ماتفجِّر تلك الأقصوصةعواصف من الضحك ؛ بقدر ماتثيرالحسرة والشفقة على من يطلق الشائعة ويعيش أجواءها حتى ليصدق نفسه، وهنا يتضح مدى الخطورة التى تكمُن فى كل ماتثيره الشائعات ؛ خاصة فى زمن الكوارث والحروب وبعض زوابع الحراك المجتمعى الطبيعية خاصة فى مراحل التحولات التى يشهدها بين الفينة والفينة أى مجتمع من المجتمعات البشرية.

وللأسف فإن الشائعات فى مجتمعاتنا الشرقية والعربية التى تتمتع بنسبة عالية من الأمية الثقافية والعلمية تسرى مسرى النار فى الهشيم، لسرعة تناقلها دون ترو ٍ أو استبيان مدى صحتها، والبعض ينقلها استعراضًا بأنه العليم ببواطن الأمور، وقد أظهرت الدراسات مدى تفوق الإشاعة على الحروب العسكرية لأنها تعمل بدورها على تفكك المجتمعات وبث الفتنة بين أفراد المجتمع وهو الهدف الأساسى لمن يطلق شائعة أيًا كانت.

و»الشائعة» عبارة عن خبر أو مجموعة من الأخبار الملفقة والزائفة فى أغلبها ويتم تطعيمها بخبث مقصود ببعض من الحقائق التى تغلفها لتظهر كأنها حقائق مسلم بها لتنتشر فى المجتمع بشكل سريع ويتم تداولها لتصبح تمامًا ككرة الثلج التى تكبر كلما زاد عدد مرات التداول، فيضيف كل فرد من عندياته مايسمى فى عرفنا «البهارات» التى تعطى مذاقًا خاصًا للطبخة الوهمية على موائد الساذجين ليلتهموا الشائعة دون تيقن وتحقق من مصداقيتها ؛ وتستوى فى ذلك الشائعات التى تأخذ منعطفًا عسكريًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا. وغالبًا ما تكون الشائعة كالرصاصة التى تخرج من فوهة البندقية نحو الهدف فتكون سلاحًا لاراد له يرتد على صاحبه إذا ما اكتشف المتلقى كذب تلك الشائعة وإدعاؤها فيسقط مروجها لافتضاح أمره ويضيع ماقد يكون له من رصيد ينضاف فى الوقت نفسه إلى رصيد المستهدف بهذه الشائعة، وكثيرًا ماقامت بعض الفصائل السياسية فى مجتمعنا خاصة التى لاتتمتع برضاء الإحساس الجمعى بل يعتبر لافظًا لها بالترويج والتسريب لمعلومات خاطئة عن بعض الشخصيات السياسية أو الدينية، سرعان ما يثبت كذبها عند محاولة نسبها زورًا وبهتانًا إلى الحقيقة، والأمثلة كثيرة خاصة فى الآونة الأخيرة بعد تلك الهجمات الشرسة لتقويض بنيان المجتمع المصرى وهدمه لصالح شراذم لاتمثل إلا نفسها ولكنها لشعورها بالضآلة تحاول أن تنفث سمومها القاتلة فى شرايين المجتمع بأمل أن يتحقق لها الوجود الوهمى والخيالى، لذا نذكر أنفسنا ونذكرهؤلاء المروجين الحاقدين الملتاعين من انتصاراتنا الوطنية المشرفة وتماسكنا الوطنى ووحدتنا بمضامين وأهداف الآية الكريمة التى ساقها الله سبحانه وتعالى فى هذا الصدد:

بســـــــــــــــــم الله الرحمن الرحيم

« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ

فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ « سورة الحجرات 49

صــــــــــــــــــــــــــــدق الله العظيم

وليس ثمة مايقال بعد كلام المولى عز وجل!.

أستاذ الدراسات اللغوية أكاديمية الفنون