رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حياة بلا هدف.. لا تستحق الحياة


فى حكمة القدير الإله الواحد أنه خلق الإنسان بعد أن خلق كل شئ آخر فالإنسان قمة خليقته وموضع مسرته ومع أنه سبحانه كانت كل خليقته حسنة، إلا أنه عندما خلق الإنسان الذى دعاه آدم لأنه من أديم الأرض، أى ترابها خلقه فرآه حسناً جداً، وأعطاه سلطاناً، مع أن السلطة لله وحده، إلا أنه جعله متسلطاً على خليقته، وفى حكمة الخالق أنه ميز الإنسان حتى بعد سقوطه فى المعصية أو المخالفة، إلا أنه صار متسلطاً على كل المخلوقات الأخرى.

ومن أكبر الامتيازات التى منحها الخالق للإنسان أنها منحة من الإله الأزلى بعضاً من الهبات الربانية وأهمها خلود الروح بعد مفارقتها للجسد لكونها نفخة القدير

 

... ومع أن الإنسان الأول، أى آدم وحواء قد أخطئا بالعصيان لقول الخالق أن لا يأكلا من شجرة معينة إلا أنهما أكلا بغواية الشهوة المنهى عنها، إلا أنه فى رحمته دبر لهما ولنسلهما حياة سعيدة وإرادة حرة، ومجتمعاً يقوم على التعاون والشراكة، وبداية شرائع مكتوبة والتى بدأت بموسى وهارون وكتابة لوحى الشريعة التى حملت الوصايا العشر لتكون نصوصاً قانونية ربانية بعد أن كانت الأحكام والقضايا محصورة فى موسى النبى وصهره يثرون كاهن مِدْيَان.

وعاش الإنسان فى تجمعات أسرية بدائية، ومع بداية عصر الزراعة بعد مرحلة الصيد زادت الروابط البشرية والتعاون على مواجهة الحياة، ومن هنا بدأت المصاهرة والعلاقات الأسرية الممتدة، فعرف الإنسان روابط العشيرة، ثم اتسعت إلى القرية فالمدينة والدولة.

ولو تأملنا الطفل، حتى منذ ولادته فهو ينمو رأسياً، وعندما يبدأ خطواته فهو يفتح ذراعيه وكأنه يرحب بالحياة وبالذين حوله، فهو كائن متميز يدرك نعمة الخالق، ويرحب بالمجتمع الإنسانى الذى ينتمى إليه، ويعيش فى ترابط مع كل الأجناس والألوان واللغات حتى يدرك القول « ما استحق الحياة من عاش لنفسه».

كما أن الإنسان منذ الخلق تميز بثلاثية التكوين فهو جسد ونفس وروح، فهو كائن عاقل مميز، يدرك أنه ليس كسائر الكائنات كما قال أصحاب الفلسفة الأبيقوريون « إننا نأكل ونشرب وغداً نموت «. والمقصود بالنفس العقل والإرادة والعاطفة، وهى مميزات اختص بها الإنسان دون سائر المخلوقات،

كما أن المميز الآخر للإنسان أنه مخلوق روحانى، يدرك أنه خلق بواسطة الخالق وليس كسائر المخلوقات الأخرى المتوالدة كالحيوان والطير، ولما كان الخالق قد ميزنا بعقل ونفس وإرادة وعاطفة، وهذه كلها تعلو كثيراً عن الغرائز الحيوانية، ولما كان الجسد له الغذاء والماء ليحيا فإن العناصر الأخرى المركبة كالعقل والإرادة والعاطفة تحتاج إلى رعاية صحية وثقافية وتربوية وتعليمية، وكلها عوامل لا غنى عنها ليصبح الإنسان متكاملاً صحيحاً وصحياً فى كل عناصره، متسقاً مع نفسه، ومترابطاً مع غيره، ومتعايشاً مع مجتمعه.

ولكى يتحقق هذا التكامل الصحى بكل عناصره ومقوماته لا بد من التعلم والتدرب والتعود على حياة التعاون والتكامل وبناء المجتمعات فى عصر لا غنى فيه لأحد عن الآخر، فبرغم الفوارق التربوية والتعليمية والمادية والبيئية إلا أن هذه العوامل ذاتها هى الأدعى للتعاون وقبول الآخر رغم الفوارق، لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون اكثر اتساقاً طبقياً يدفع الجائع أن يعتدى على مواطن استأثر بكل الإمكانيات على حساب الآخرين الذين لا يجدون طعامهم أو شرابهم أو علاجهم أو ملبسهم، أو حتى سقفاً يقيهم برد الشتاء وزمهرير الحرارة.

ففى دول العالم الاول أدركت منذ نشأتها أنه ليس من العدل ولا من الأمانة أو حتى الحياة الآمنة أن يعيش الأغنياء على جهد وعرق الفقراء الكادحين، كما أنه ليس من الكرامة أن يمد الفقير يده مستعطياً أو مستجدياً منة من هنا أو من هناك، كما كانت أنظمة بعضها يساعد الغنى الفقير انطلاقاً من قيم الأخلاق أو المروءة، كما قامت المؤسسات الدينية بفتح الملاجئ الخيرية والعيادات الطبية بإمكانيات محدودة لإعانة وإغاثة المحتاجين من المرضى أو الأيتام.

ومع أنها خطوات كانت واجبة، وما زالت فى كثير من دول العالم الثالث تقدم هذه المؤسسات خدمة للمحتاجين قدر الطاقة، إلا أنها لا ترقى إلى المستوى الآدمى الذى تقتضيه الكرامة الإنسانية وتنشئة جيل يعتز بكرامته وذاتيته.

لهذا أدركت حكومات ومجتمعات كثير من الدول سبل الحياة الكريمة لكل مواطنيها، إذ ليس من العدل أن يعيش البعض فى القصور وآخرون فى القبور وهم ما زالت أسماؤهم فى سجلات المواليد الأحياء،

وقد تسمع صوت الأغنياء يرددون ما ذنبنا وقد أدينا ما علينا من ضرائب دون تأخير أو تقصير، وتبقى المسئولية على الحكومات التى من مسئولياتها، بل فى المقدمة، أن ترعى شئون الفقراء والمرضى ومن لا مأوى لهم، أو عمل كريم يساعدهم على مواجهة الحياة وتقلباتها.

أما صوت الحكومات دائماً ردودهم معدة لسنين طويلة مضت لتلقى بالمسئولية على زيادة السكان، وقلة الموارد، وتكلفة الحماية الأمنية الداخلية والخارجية، وتأتى ردود الفقراء ضعيفة لا تكاد تسمع، إذ لا يملكون وسائل إعلام كافية أو مهتمة بشأنهم، لكنهم يعلمون عن دول فاقت أعدادها كل المقاييس، ومنها بلاد الصين التى غزت أسواق الدول الأخرى بمنتجاتها، وكنا أول المستوردين منها حتى «فوانيس رمضان»، وناهيك عن إبرة الخياطة، والملبوسات، ولعب الأطفال، وزاد الطين بلّة أنهم يمدوننا بتماثيل فراعيننا، والحمد لله أنهم لم ينقلوا الأصل لتبقى عندهم ،

وهذا قليل من كثير نستورده من الدول كثيفة السكان، ويبقى أبناؤنا بلا عمل، وإن بقى القليل من الأمل.

أعود إلى عنوانى « حياة بل هدف لا تستحق الحياة «، وحتى لا تكون النظرة سوداء، فهناك بصيص من النور، وكثير من الأمل، فها هى قناتنا الجديدة - أو توسعة القديمة - على وشك الانتهاء منها بفضل من الله ويقظة قائدها وتعاون الشعب الوفى الذى لم يتأخر يوماً بمال أو دم، إلا وكان السابق عملاً ووفاءً وحباً.

ودعائى أن يحفظ مصر آمنة، وتقوم مرفوعة الهامة لتوفى هذا الشعب الأصيل الكريم حقه، فتكون مفخرة بأيدى أبنائها، والأيدى التى أقامت المشروعات فى دول أخرى تعود للبناء والكفاح، ويبقى دائماً نشيدنا مكرراً «مبارك شعبى مصر».

الرئيس الشرفى للطائفة الإنجيلية