رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحذير.. مخاوف عربية من التدخل فى الشئون الداخلية


هكذا نجد أن دولة عربية تخشى من دول عربية أخرى أكثر فى الواقع مما تخاف من قوى أجنبية أخرى، وأصبح الأمن القومى العربى وصيانته عبارة فضفاضة تسمح بالتدخل فى الشؤون الداخلية للدول العربية

دهشت لأول وهلة، وأنا اقرأ، نقلا عن صحيفة الأخبار اللبنانية، ملاحظات لينان حول مشروع « القوة العربية المشتركة»، حيث شعرت بالصدمة من أن هناك ألفاظًا كانت تعتبر أساسًا للعمل العربى المشترك أصبحت تعتبر مصدر خوف لدى الدول العربية من بعضها، إذ عنونت بعبارة « إرهاب غير معرف ولا سيادة للدول». هكذا أصبحت لأول وهلة القوة المشتركة التى يفترض أنها تقوم بتأمين الدول العربية وتحقيق المصلحة العامة التى هى مصلحة جميع الشعوب العربية هى نفسها مصدر شك لديهم، أو لدى بعضهم، إذ يقال إن المشروع يجعل هذه القوة « أداة فى يد بعض الدول المؤثرة فى الجامعة للتدخل فى شئون الدول الأخرى وفق مبادئ فضفاضة.

جاء فى «ملاحظات جوهرية جدًا « رفعتها وزارة الخارجية اللبنانية حول مشروع القوة المذكورة أن الاقتراح الأولى لبروتوكول إنشاء القوة يفتقر إلى تعريف الإرهاب الذى يفترض أن القوة ستنشأ لمواجهته، وإلى تضمنه لتعابير فضفاضة تثير الارتياب من إمكان استخدامها للتدخل فى شؤون الدول وانتهاك سيادتها تحت مسمى صيانة الأمن القومى العربى خصوصًا فى ظل انعدام التوازن الحالى فى الجامعة العربية. الأكثر من هذا أن الملاحظات المذكورة تقول إنه « لسبب غير مفهوم أقر رؤساء الأركان العرب المشروع من دون الأخذ بالملاحظات اللبنانية»، وتقول الملاحظات إن علة وجود القوة المشتركة وهى مكافحة الإرهاب يغيب تعريفه تمامًا، وأن المشروع لا يحدد ماهية الفعل الإرهابى الذى يخضع لتشخيصات مختلفة باختلاف الموقف السياسى لكل من الدول إذ إن المقاومة فى لبنان مثلاً قد تصنف لدى بعض الدول الأعضاء ضمن التنظيمات الإرهابية، وطالبت مذكرة وزارة الخارجية بإضافة فقرة تعتمد الصيغة الحرفية فى نص الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، كما طالبت بالتأكيد على أنه لا يعد جريمة حالات الكفاح بمختلف الوسائل بما فى ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبى والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير.

كذلك تضمنت الملاحظات، مما أدهشنى لأول وهلة، المطالبة بحذف عبارة « صيانة الأمن القومى العربي» من العنوان والنص واستبدالها بعبارة « لمواجهة النشاطات الإرهابية». كذلك طالبت باستبدال بعبارة «التدخل العسكرى السريع لمواجهة التحديات والتهديدات بما فيها التنظيمات الإرهابية» عبارة «التدخل العسكرى السريع لمواجهة الأعمال والنشاطات الإرهابية بما فيها التنظيمات الإرهابية التى تقوم بها المنظمات الإرهابية». كذلك طالبت المذكرة بتعديل الفقرة الثانية من المادة الثالثة والتى تنص على أن القوة تضطلع بالمشاركة فى عمليات حفظ السلم والأمن فى الدول الأطراف بزيادة عبارة « بناء على طلب أى منها وبعد موافقتها على آليتها» كما طالبت فى تعديل مقترح آخر خاص بحماية وتأمين خطوط المواصلات البحرية والبرية والجوية بغرض صيانة الأمن القومى ومكافحة أعمال القرصنة والإرهاب بإضافة عبارة «ألا يتم الدخول إلى المياه الإقليمية لأى دولة طرف إلا بناء على طلب منها وبعد موافقتها على آليتها.

وتمضى مذكرة وزارة الخارجية اللبنانية فى ذكر ملاحظاتها على مشروع البروتوكول المقترح لتقول فى نهايته أن: «البروتوكول بوضعه الحالى يفتح المجال واسعًا أمام الدول المؤثرة فى الجامعة العربية للتدخل فى شكل واسع فى شؤون الدول الأخرى وفق تعريف الدول المؤثرة لما تسميه «التحديات الإرهابية» ومن دون موافقة الدول المعنية، كما أنه يغفل فى أكثر من موضع الإشارة إلى الإرهاب والإرهابيين عند ذكرها لهذه «التحديات».

هكذا نجد أن دولة عربية تخشى من دول عربية أخرى أكثر فى الواقع مما تخاف من قوى أجنبية أخرى، وأصبح الأمن القومى العربى وصيانته عبارة فضفاضة تسمح بالتدخل فى الشؤون الداخلية للدول العربية، وأصبح هناك خوف من اعتبار المقاومة عملاً إرهابيًا بدلا من ضرورة دعمها، وأصبح هناك خوف من انتهاك المياه الإقليمية للدول العربية تحت دعوى تأمين خطوط المواصلات البحرية والبرية والجوية.

إن هذا الوضع لم يات من فراغ، حيث نشير الحرب ضد العراق، وما حدث ويحدث فى سوريا وليبيا وما حدث فى ليبيا بمشاركة دول عربية، وما يحدث الآن خاصة منذ شهرين فى اليمن يوضح للجميع كيف أسهمنا جميعًا، وباشتراك جامعة الدول العربية فى زعزعة الثقة بيننا بحيث نجد دولاً عربية تحذر من دول عربية أخرى أكثر من حذرها من دول أجنبية ما فيها إسرائيل.

إن هذا يتطلب عمل سريع من القيادات العربية، خاصة المصرية والجامعة العربية لاستعادة الثقة قبل فوات الأوان، وليس الأمر مقصورًا على لبنان، والأغلب أن هناك كثيرين يشعرون بنفس الشعور، ولكنهم لا يتكلمون، وربما تكلموا ولم نسمع!