رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا لو كانت الثورة هكذا..؟


رغم أن الشباب كثيراً ما يكرر عبارة «ما لا يدرك كله لا يترك كله» بيد أنه فى حياته اليومية عادة ما يرفض الأخذ بهذه الحكمة. ويعمل بحكمة أخرى مغايرة «فإما حياة كاملة وإما موت أبدى..» وفى ذلك اختلاف كبير عما كان يمارسه السابقون من أفكار وسلوكيات.. فكان المصريون القدماء يجدون فنون التفكير أكثر من أى شىء.. فكانوا يؤمنون بأن «نصف حياة أفضل كثيراً من الموت..» ومن ثم فكانوا يقبلون بفكرة ترتيب الأولويات، وأن مطالبهم الثورية ليس بالضرورة أن تتحقق جملة واحدة . فكلما حققوا هدفاً طمحوا إلى المزيد.. ولهذا لم يلجأ المصريون إلى الثورة إلا إذا استشعروا أن الحياة عندهم تساوى الموت...!! وكانت الإضرابات العمالية والاحتجاجات هى الوسيلة التى يفضلونها للتعبير عن شكواهم.. دون أن يكون لذلك تأثير على سير الحياة اليومية فى إطار الحفاظ على استمرار الأعمال أو الإخلال بالنظام الأمنى.. فتظاهر كيف شئت ولكن.. لا توقف ماكينة عن العمل ولا تعطل شارعاً عن السير ولا تحدث قلقاً للعامة... ولا تجعل خلافك مع النظام يدفع ثمنه المجتمع..!!! فعندما نجد أن التقارير الدولية تشير إلى أن ترتيب مصر من حيث إجمالى الناتج المحلى هو 41 من بين 143 دولة. بينما ترتيبها على مؤشر التنمية هو 130 على مستوى العالم.. !! فلابد أن نتساءل: لماذا لا تحتل مصر مرتبة متقدمة عالمياً على مؤشر التنمية بشكل يتماشى مع ترتيبها من حيث إجمالى الناتج المحلى.. ؟ واعتقد أن السبب فى هذا الخلل يكمن فى طريقة التفكير ونمط الإدارة..!! فعندما شعر الأفارقة مثلاً بأن هناك خلالاً فى نظم التعليم فى المدارس ذوى البشرة السوداء من «السويتو» الذين كانوا يعيشون تحت نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا تجمع مئات الطلاب للتعبير عن رفضهم لنوعية التعليم السيئة.. ورغم أن الحكومة قتلت منهم العديد.. إلا أنها استجابت لمطالبهم وأحدثت تغييراً شاملاً فى نظم التعليم جعل جنوب أفريقيا من الدول الأكثر جودة عالمياً فى نظم التعليم..!! ورغم أن انتفاضة الطلاب السود كانت فى عام 1976 إلا أن جنوب أفريقيا قررت منذ عام 1991 أن يكون يوم 16 يونيه من كل عام هو يوم الاحتفال بيوم الطفل الأفريقى..!! ولعل تجربة جنوب أفريقيا تجعلنا أيضا نتساءل: ماذا فعلنا عندما ارتفعت معدلات التسرب الدراسى إلى 26 ألف طفل؟ وبلغ عدد الفتيات اللاتى لم يلتحقن أساساً بالتعليم 590 ألف فتاة؟ ماذا فعلنا عندما حصلت مصر على الترتيب قبل الأخير عالمياً من حيث جودة المدارس الابتدائية وكذلك فى جودة نظم التعليم..؟ ماذا فعلنا عندما أصدر الجهاز المركزى للإحصاء بياناً يؤكد أن الأمية بين الشباب وصلت إلى الثلث؟ وكل هذه الأسئلة بالأساس تجعنا نتساءل: حول ماذا لو لم نقم بثورة يناير وانتفضنا لإصلاح نظم التعليم.. ربما لو فعلنا لأصبحت مصر «أم الدنيا» و «قد الدنيا»!!

أستاذ التنمية البشرية - جامعة الفيوم