رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيرات الـدولية والإقليمية وتأثيرها على المنظور الأمريكى «20»


وقد تعاظم سعى هذه القلة السيطرة على مراكز صناعة القرار الأمريكى بعـد انتقال السلطة من جيل المؤسسين أى من يـهـود الـشـتـات إلى جيل « الـصابـرا» أى إلى الذين ولــدوا فى إسرائـيـل وتـحـمـلـوا الـمشاق مـثـلـما يـتـحـمـل الـصـبـار «الصابـرا بالعـبـريـة» الظـروف البيئيـة الصعـبـة فى الصحارى.

تناولت فى المقال السابق نشأة وتطور الارتباط الاستراتيجى بين الولايات المتحدة وإسرائيل باعـتباره أحد المحددات الرئيسية المؤثرة على بناء الاستراتيجية العربية الموحدة المقترحة، حين أدركت الولايات المتحدة أهمية وجود إسرائيل واستمرار بقائها فى قلب العالم العربى تحقيقاً لمصالحها الدائمة فى المنطقة، وأن هذا البقاء لابد أن يستند على الاعـتبارات الأمنية أولاً، وأن هذه الاعتبارات لابد أيضاً أن تنطلق من إحداث التفوق الساحق على كل دول محيطها العربى، وهو ما يتنافس على تحقيقه مرشحو الرئاسة الأمريكية من الحزبين الرئيسيين فى حملاتهما الانتخابية، وانتهى المقال إلى طرح سؤال فرض نفسه وهو ما الذى يُجبر مرشحى الرئاسة الأمريكية لكسب ود إسرائيل؟ وهو ما سأتناوله اليوم.

يُشير الواقع إلى أن إسرائيل قد أدركت عمق وأهمية المصالح الأمريكية ذات الأهداف الاستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط بوجه عام، وفى المنطقة العـربية على نحو خاص، كما أدركت توجهات الولايات المتحدة لصيانة هذه المصالح وأدوات تحقيق تلك الأهداف، وأدركت أن هذه المصالح وتلك الأهداف تُمثل الدافع الرئيسى للولايات المتحدة على الحفاظ على الارتباط الاستراتيجى بينهما والعمل على تطويره ليُصبح ارتباطاً عضوياً وعاطفياً، فعـملت إسرائيل على تعـظيم دورها على محورين رئيسيين الأول داخل النسق الإقليمى للشرق الأوسط، حيث سعـت إلى إبراز المصالح والأهداف الأمريكية على خريطتها الاستراتيجية لإقناع الولايات المتحدة باهتمامها البالغ بصيـانة مصالحها وتحقيق أهدافها، أما المحور الثانى وهو الأهم والأخطر فهو السعى الدؤوب لتعـظيم الوضع الذى يتمتع به اليهود داخل الولايات المتحدة نفسها، فقامت باستغلال ما يشتهر به اليهود من خصائص خاصة قدرتهم العالية على جمع المال، فسيطروا على أسواق المال وامتلكوا دور النشر ووسائل الإعلام، كما استغلت قدرتهم الفائقة على التنظيم والتى أفرزت اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة Israeli Public Affair Committee American AIPAC «إيباك» حيث أجادت دورها فى تـدعـيم الارتبـاط بينهما، فعملت أولاً على تضخيم المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، وعملت ثانياً على تعـظيم قدرة إسرائيل على صيانة هذه المصالح، على أن الدور الأكبر أثراً، والأكثر خطرا لهذه اللجنة هـو سيـطرتها عـلى حـوالى40 منظمة كـبـرى، وأكثـر من 80 منظمة يهوديـة أقل حجماً داخل الولايات المتحدة، وهـذه المنظمات تـأتـمـر بـأوامـر «إيـبـاك» وتـوجـه كل إمكانياتها وطاقاتها لصالحها بما أدى فى النهاية إلى السيطرة على المجتمع الأمريكى من خلال جماعات الضغـط اليهودى. وبالرغم من أن عـدد يهود الولايات المتحدة 8 ملايين نسمة يمثلون القـلـة فى المجتمع الأمريكى «٢٫٥٪»، إلا أن هذه القلة تسعى دائماً للسيطرة على مراكز صناعة القرار الأمريكى فى الكونجرس الأمريكى بمجلسيه «الشيوخ والنواب» باعـتـبـاره الـمـتـحـكـم الـوحـيـد فى الخزانة الأمريكية، كما يسعـون إلى المشاركة فى اللجان ذات التأثير على القرارات الاستراتيجية، خاصة تلك التى تتعـلـق بـدعـم القدرات العسكرية الإسرائيلية ، خاصة تلك التى تـتعـلـق بالسلوك التسليحى والانـفـراد بامتلاك الرادع النووى، وقد تعاظم سعى هذه القلة السيطرة على مراكز صناعة القرار الأمريكى بعـد انتقال السلطة من جيل المؤسسين أى من يـهـود الـشـتـات إلى جيل « الـصابـرا» أى إلى الذين ولــدوا فى إسرائـيـل وتـحـمـلـوا الـمشاق مـثـلـما يـتـحـمـل الـصـبـار «الصابـرا بالعـبـريـة» الظـروف البيئيـة الصعـبـة فى الصحارى.

وبالرغم من الإدراك الكامل لجيل الصابرا بأن الولايات المتحدة تضمن أمنها وتصون بقاءها، وتحفظ سيادتها، وتقـدم لها الدعـم غير المحـدود ، إلا أن الطبيعة الحذرة المتشككة لهذا الجيل قـد أوجدت رؤيـة استراتيجـية جـديـدة، وهى أن أسس ومرتكزات الاستراتيجية الأمريكية فى الـمـنطـقـة قـد تتغـيـر تـبـعـاً لأى مـتـغـيـر إقـلـيـمـى او دولـى قـد يـحدث، وقـد أفرزت هـذه الرؤيـة الجديـدة مبدأيـن مهمين، الأول ضرورة اعتماد إسرائيل على قدراتها الذاتية بـما يضمن صيانة أمنها وبقاءها دون الاعتماد على الغـيـر حتى لو كان هذا الغـيـر هى الولايات المتحدة ذاتها، وهو ما عـبـر عـنه نـتـنياهـو فى خطابه الشهير أمام الكونجرس فى 10 يوليو 1996 «بأن إسرائيل قد بلغـت سن الرشـد، ونضجت بما فيه الكفاية لكى تبدأ مرحلة الاعـتـماد على الذات»، أما المبدأ الثانى، فهو ضرورة البحث عـن قـوة عـظمى صاعدة لتكون بديـلاً عن الولايات المتحـدة فى حالة أفـول نجمـها، أو أن تـتقـاـسـم معها عـناصـر القـوة العالـمية بعـد ارتـقائـها هـرم النسق الدولى لتحتـل معها قمته، فاتجهت لـلـتعـاون مع الـصـيـن أقرب الوحدات السياسية فى النسق الدولى تحقيقاً لتوازن المكانة واعـتلاء هـرم الـنـظـام الـدولى لمشاركة الولايات الـمـتـحـدة فى قـمتـه أو الانفراد به.. وللحديث بقية فى الأسبوع المقبل بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد