رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام.. والفساد


بداية لا بد أن اقدم اعتذارى للقارئ الكريم عن عدم استكمال سلسلة مقالاتى عن محطات وذكريات 30 يونيه التى بدأتها الأسبوع الماضى والمستوحاة من كتابى اللحظات الحاسمة – شهادة من قلب ماسبيرو، لأن الإخوة بجريدة «الدستور» شاكرين قرروا نشر الكتاب بالكامل فى هذه الجريدة المحترمة فى شهر رمضان المبارك.

وهذا الأسبوع تلقيت دعوة كريمة من د. ليلى لطفى رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية كى أشارك فى مؤتمر يتناول ظاهرة الفساد وآثارها الاجتماعية والاقتصادية حيث تحدثت عن علاقة الظاهرة بالإعلام وهل هناك علاقة بين الإعلام والفساد واكتشفت أن الإجابة تحتمل «نعم ولا».

نعم عندما ينحرف الإعلام عن مساره ويحدث خللا فى أداء وظائفه وتساءلت عماهو الإعلام المنحرف؟ وما شكل الخلل الوظيفى له؟ وبدون مقدمات يساهم الإعلام بأفكاره وبرامجه فى تكريس البيئة الفاسدة التى تبرر للمفسدين فسادهم حيث يصبح الخلل الوظيفى نتيجة طبيعية للفوضى الإعلامية وفساد المؤسسات الإعلامية من الداخل نتيجة لمجموعتين من العوامل الأولى مرتبطة بالنسق القيمى السائد فى المجتمع والأخرى نتيجة الاختلال فى البناء الإدارى والمالى للمؤسسة الإعلامية.

وتبادر إلى الذهن سؤال من أين يأتى فساد المؤسسة الإعلامية؟ أرى انه عدم وجود سياسة تحريرية يؤدى إلى الابتعاد عن الأداء المهنى وهذا الاخير يخلق أنماط سلوك قد تؤدى إلى الفساد حتى فى ابسط اشكاله مثل لجوء الإعلامى إلى تسهيل ظهور ضيوف بعينهم دائما مقابل خدمات ما قد تكون مادية أو معنوية، بالإضافة إلى سيطرة الإعلان على الإعلام!! فقد يؤدى ذلك إلى تمكين الترويج الاعلانى من الهيمنة على الأفكار البرامجية بحيث يصبح هدفها الجذب والاثارة بغض النظر عن الوظيفة أو الهدف حتى ولو كان على حساب قيم المجتمع وثوابته الأخلاقية، ما تقدم قد يؤدى إلى تجميل صورة الفساد الاجتماعى مثل برامج تروج لأفكار الدجل والشعوذة والنصب الاعلانى والإعلامى واثارة الغرائز الجنسية والدخول فى مناطق شائكة تناقش الثوابت الدينية تحت زعم حرية التعبير، كما قد يؤدى إلى فساد سياسى نتيجة التلاعب بعملية تشكيل الرأى العام عن طريق بث أفكار متطرفة مغلفة بمعسول الكلمات مثل الحرية والديمقراطية وهناك أيضا المذيع الناشط!! فقد يرسخ الفساد فى الذهن أنه الفساد المالى والاجتماعى فقط وأتصور أن الفساد هو أيضا فساد الفكر، فبعض المذيعين ومقدمى البرامج يرون فى أنفسهم ناشطين سياسيين لهم أفكارهم وتوجهاتهم ومن حقهم أن يفرضوها على المتلقى فى برامج أحادية الجانب تمتد بالساعات هى اقرب ما تكون للمحاضرة منها للبرنامج التليفزيونى أو الإذاعى وهذا أمر جانبه الصواب فالناشطون السياسيون مكانهم الأحزاب السياسية وليس أمام الكاميرا أو خلف الميكروفون ويظل الناشطون السياسيون ضيوفا للبرامج فقط فى اطار عرض الرأى والرأى الآخر وانتقل إلى إجابة الشق الثانى من السؤال عن علاقة الإعلام بالفساد أجبنا بنعم فيما سبق ونجيب فى الشق الثانى بلا ونقصد بلا أن الإعلام يحارب الفساد والمفسدين ويتصدى لكل أشكال الفساد، الإعلام يلقى الضوء على نماذج الفساد ولا يخاف فى قول الحق لومة لائم عندما يتحرر الإعلام من حالة الجدل التى تسيطر عليه ويتفرغ للبناء أو ما نطلق عليه الإعلام التنموى هنا تتراجع فرص الفساد وتبدو فى الصورة فرص تكامل المجتمع من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتصبح الوسيلة أفكارا برامجية تقدم عبر النوافذ الإعلامية المختلفة بشكل جاذب للمتلقى يرى فيه حياته وتطلعاته عبر الأثير فى الاذاعة والتليفزيون وكلمة أخيرة إن فصل الملكية عن الإدارة فى المؤسسات الإعلامية حافز على التصدى لاشكال الفساد فتدخل المالك - فردا أو حكومة - فى توجية أو فرض السياسة التحريرية للمؤسسة الإعلامية قد يحبط القائمين بالرسالة الإعلامية ويبعدهم عن الأداء المهنى، الأمر الذى يهيئ مناخا خصبا لبيئة قد يتسلل إليها الفساد والمفسدون.