رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أدين بدين الحب


إن قضية الدين هى نفسها قضية الفلسفة، وهى: كيف نفكر التفكير السليم ونعيش العيشة الطيبة. ومقاييس الدين هى فى النهاية مقاييس الفلسفة. يقول برنارد شو: «إن الرجل الطيب هو الذى يعطى الدنيا أكثر مما يأخذ منها»، أى أن الدنيا تجد بعد انقضاء عمره أنها كسبت به ولم تخسر، وأنفقت عليه أقل مما ترك لها، وهذا الذى تركه لها قد يكون حكمة أو قدوة أو علماً أو اختراعاً أو زيادة فى الثروة أو الخير أو السلام، وهذا المقياس فلسفى دينى، ولذلك يقول المفكر والمصلح الكبير الأستاذ سلامة موسى: «حين أتحدث عن فلسفة الحياة التى أعيش بها هذه الأيام وأنا فى الستين أو حواليها أجد أنها مزيج من الفلسفات والأديان، وصحيح أن الدين يطالبنا بالتسليم والفلسفة تطالبنا بالمنطق، لكن ليست هذه الحال دائمة أو واضحة الحدود، فإن فى الدين منطقاً كما أن فى الفلسفة تسليماً فى بعض الأحوال».

ويقول أيضاً سلامة موسى: «وجميع الكتب المقدسة سواء عندى، ولكنى أضيف إليها عشرات من المؤلفات الأخرى فى الفلسفة والأدب، ولذلك أقول إن بعض ديانتى يرجع أيضاً إلى جمهورية أفلاطون وإلى الإنسان والسوبرمان لبرناردشو وإلى مؤلفات جان جاك روسو وتولستوى ودستويفسكى وإلى أخناتون، فقد زودنى هؤلاء جميعاً بهرمونات دينية، وقبل سنوات طويلة شاعت دعوة فى أمريكا وأوروبا إلى ما يسمى البشرية، وهى ديانة تستبعد الغيبيات وتؤمن بالرقى البشرى القائم على التطور، وهى تعتمد على الكتب المقدسة وكتب الأدب والتاريخ والفلسفة».

إن ديانتنا وفلسفتنا تتكون أولاً ثم تتبلور ثم تتجوهر، وعندى أن هذه النهاية هذا التجوهر هو: الحب، وقد انتهت جميع الأديان إلى هذا الموقف، والحب هو اتجاه وسلوك، هو الاستطلاع الدائم للكون والرغبة النهمة فى المعرفة، ثم هو التعاون والتسامح، وهذا الحب هو أيضاً ما انتهى إليه الصوفيون المسلمون مثل محى الدين ابن عربى حين يقول:

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبى إذا لم يكن دينى إلى دينه داني وقد صار قلبى قابلاً كل صورة.. فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف.. وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهت.. ركائبه فالحب دينى وإيمانى

وفى هذه الأبيات الأربعة قد استقطر ابن عربى روح الدين، ومن الحسن أن تذاع مثل هذه الأبيات الذهبية وتعلق فى بيوتنا وشوارعنا.

برلمانى سابق