رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعامل مع الغرب يحتاج فهماً آخر


أما حرية التعبير فى الغرب فقد تجاوزت كل الحدود والضوابط، ولن توقفها عجلة الردح ولا السب، ولكن مواقفنا وأعمالناوليس كلامنا فقط هى التى تقدمنا للآخرين، وتبين نقاط الضعف عندهم .

بعضنا يدافع عن مصر وينجح نجاحاً باهراً، وبعضنا يقوم بهذه المهمة النبيلة فلا يحسن ذلك ويشوه صورتها، وبعضنا يعرف نفسه ويعرف الآخرين فيجيد فى توصيل رسالته. فى سنة 2007، زار بوش الابن بريطانيا، ورفض عمدة لندن كين لفينج ستون «ken livingstone» لقاءه أو السماح له بالحديث فى قاعة مؤتمرات مقر العمدة، وفى الوقت نفسه، رحَّب بالشيخ القرضاوى محاضراً وجلس إلى جواره، وسمح للمسلمات بقيادة جمعية المرأة المسلمة، أن تعقدن مؤتمراتهن فى مقر العمدة، وعمل مظاهرة عن الحجاب، فى ضوء الفتوى الشاذة ثم القانون الذى اتخذته فرنسا ضد النقاب، ثم منع الحجاب فى الأماكن العامة والوظائف ودور التعليم، رغم أن فرنسا بلد الحريات والإخاء والمساواة «وهى شعارات الثورة الفرنسية».

لم نشاهد فى بريطانيا مظاهرة أمريكية تخرج ضد العمدة ولا تخرج لدعم بوش الابن. لم يغير موقف كين ليفنجستون من العلاقات الأمريكية البريطانية، وظلت بريطانيا فى عهد العمال والمحافظين والليبراليين الديمقراطين منهم، دولة تسير فى الفلك الأمريكى، حتى لوكان ذلك مخالفاً لموقف أوروبا، وفى السياسة تشهد تقلبات وتغيرات ولقاءات واعتذارات، ولا يؤثر ذلك فى المسيرة السياسية للدول، إلا فىالدول التى تقع أسرى هذه الأحداث، ولاتنفك عنها أو التى تفرض الأحداث نفسها على تلك الدولة فلا تستطيع مهرباً. أنا شخصياً لا أرى أى مبرر للهجوم على رئيس البرلمان الألمانى البوند ستاج ولا غيره، فليقل ما يقول، وإذا كان كاذباً فسيكتشف الشعب الألمانى كذبه، ولن يأتى به مرة أخرى إلى البرلمان وسيذهب إلى مزبلة التاريخ، وهذه هى عظمة الشفافية والديمقراطية. ولكن علينا أن ننصر بلدنا وقضايانا ورئيسنا، بالعمل الإيجابى وبالمعلومات الدقيقة.

عند إجراء الانتخابات الأمريكية، يشاهد العالم كله المناظرات بين الرؤساء المحتملين، وكل منهما أو منهم، كما يقول المصريون، يطلع القطط الفطساء فى الآخر، ويأتى أحدهم بالإختيار ليكون رئيسا، ويتعاون معه الآخرون حتى المعارضة، لتحقيق المصالح العليا للبلاد التى لا يتجاوزها أحد منهما، وهى المصالح التى ترسمها الاستراتيجيات الطموحة والظالمة والعدوانية أحياناً أخرى. ولكنها كما يرى راسموها فى صالح أمريكا.

أما حرية التعبير فى الغرب فقد تجاوزت كل الحدود والضوابط، ولن توقفها عجلة الردح ولا السب، ولكن مواقفنا وأعمالنا – وليس كلامنا فقط – هى التى تقدمنا للآخرين، وتبين نقاط الضعف عندهم .

مصر اليوم بزعامة السيسى تقود حرباً ضد الإرهاب، ومنه التشدد والتطرف والإرهاب باسم الدين «أو الإسلام»، والغرب يفهم ذلك جيداً، ولكن المعايير المزدوجة التى تسود أيضاً فى الغرب، تمنع هذا الغرب الديمقراطى أحياناً، من أن يقول الحقيقة أو يقف إلى جانب العدل أو احترام معتقدات الآخرين، بل إنه يريد أن يفرض قيم الديمقراطية على الآخرين مهما خالفت بعض القيم معتقداتهم، مثل إلغاء الإعدام أو الحرية المطلقة للفاسدين أن يفسدوا غيرهم. لو أدرك الغرب مقتضيات العدل حقاً– كما يعلمنا الدين كله – لما بقيت إسرائيل يوماً واحداً على قيد الحياة. علينا أن نفهم الغرب، ونتعامل معه، على قدر فهمنا الصحيح له، والمصلحة العليا لمصر، فى ضرورة الانفتاح علىالعالم كله، ولن تؤثر كلمات رئيس البوندستاج فى العلاقات بين البلدين، ولن تنال من رئيسنا الطموح. ولا من فائدة زيارته والتعاقدات التى يحملها وفتح آفاق استثمار جديدة أمام الشركات الأجنبية دون استفادة من خبراتهم، فالحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها.. والله الموفق.