رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو حديث قادم للرئيس


تبدو فكرة المجتمعات العمرانية فكرة جيدة، وهى لم تكن بعيدة عن خطط التنمية السابقة، ولكن الفكرة يمكن أن تبدو أكثر إقناعًا إذا بدا أنها أكثر تحديدًا، أى كم؟ وأين؟ ومتى؟ لأن الشيطان كثيرًا ما يكمن فى التفاصيل كما نعرف من خلال التجربة.

لا شك أن قيام رئيس الجمهورية، أى رئيس للجمهورية، بتوجيه حديث إلى الشعب بشكل منتظم شىء جيد، وإن كان من الممكن أن يكون حديثه بأشكال مختلفة، وربما ليس فى موعد محدد، حيث يمكن ألا يناسب الموعد المحدد سلفًا الظروف المحلية والإقليمية والدولية، وعلى هذا فحديث الرئيس إلى الشعب مفيد وأشجعه، وإن كنت أرى ألا يكون على شكل وموعد ثابت. أما المهم فهو مضمون الخطاب، لأنه لا بد أن يختلف عن أى خطاب أو حديث آخر، أى أن المواطن يجب أن يجد فيه شيئًا يختلف عما يمكن أن يسمعه من مسؤول آخر بداية برئيس الوزراء وحتى آخر موظف فى الدولة.

أعتقد أن من المهم أن يشتمل حديث الرئيس القادم على ما يسمى بالرؤية، وهى رؤية كلية تختلف عن تفاصيل العمل الجارى الماضى والمستقبل، أو ما يمكن تسميته بحديث الإنجازات، كما يجب أن يشتمل على ما ينتظره المواطن من الدولة، وما يطالب الرئيس المواطن للقيام به خاصة إذا وضعنا فى اعتبارنا أن الرئيس سبق أن قال إنه لن يستطيع أن يفعل شيئا وحده، ولكن يجب أن نقوم به كلنا، وأظن أنى افتقدت هذا الجزء فى الحديث الأخير.

كان استهلال الرئيس لخطابه بالحديث عن الفساد والإرهاب والجهاز الإدارى للدولة مهمًا، وقد بدت رؤيته فى مواجهة الفساد بتحييد العامل البشرى، ولكنى أرى أنه يجب دراسة تجربة مكافحة الفساد السابقة، حيث أنشئت الرقابة الإدارية وصدر قانون الكسب غير المشروع المعروف بقانون «من أين لك هذا»،، ولكن النتيجة ضعيفة، وعلينا دراسة نقاط الضعف حتى نتجنبها فى خطواتنا المقبلة.

ما زال حديث الإرهاب قاصرًا خاصة أن الشعب قد سبق وأن فوض الرئيس قبل ذلك، وكثيرًا مايرى المواطن أن الإرهابيين يحققون أهدافهم وينسحبون دون خسائر، بما يوحى بأن هناك نقصًا ما، وهو أمر يحتاج إلى تفسير، لأنه يفهم لدى البعض بأن هناك اختراقًا لأجهزة الأمن، أو أن هناك إهمالاً جسيمًا، وكلها أمور واردة رغم الجهود المبذولة للتغلب عليها، ولكن كان هناك نقص واضح فى تعاون الشعب مع الشرطة والقوات المسلحة ضد الإرهابيين، وهنا كان من المهم أن يوضح الرئيس رؤية الدولة حول تعاون القبائل ضد الإرهاب، حيث تردد الحديث عن قيام قبائل بقتال الإرهابيين، فماذا عن حقيقة ذلك وعلاقة ذلك بالدولة؟! هنا كان من المهم توضيح الرؤية عن الواجب والحقوق، والحدود.

من الطبيعى أن يكون موضوع الجهاز الإدارى للدولة معقدًا جدًا، وأنه لن يحل فى سنة أو سنتين، ولكن هذا يجب ألا يحول أن تكون هناك رؤية للتعامل معه، وقد جاءت فى الخطاب مجموعة خطوط عامة وربما وجدنا الحديث تحول للحديث عن سيناء دون وضوح لما يمكن أن نتوقعه بالنسبة لباقى مكونات الجهاز الإدارى للدولة.

تبدو فكرة المجتمعات العمرانية فكرة جيدة، وهى لم تكن بعيدة عن خطط التنمية السابقة، ولكن الفكرة يمكن أن تبدو أكثر إقناعًا إذا بدا أنها أكثر تحديدًا، أى كم؟ وأين؟ ومتى؟ لأن الشيطان كثيرًا ما يكمن فى التفاصيل كما نعرف من خلال التجربة.

من المهم والمفيد متابعة ما جرى الحديث عنه فى المؤتمر الاقتصادي، وما جاء بالحديث عن آلية للمتابعة جيد للغاية، لكن المواطن كان ينتظر أن يعرف حجم الالتزام بما اتفق عليه حتى الآن، وكيف سيكون العمل للوصول إلى أكبر قدر من الالتزام أملاً فى الالتزام الكامل وربما طمعًا فى التزام بأكثر. وربما كان هناك سؤال ملح عن علاقة المؤتمر الاقتصادى بانخفاض مؤشرات البورصة.

تطرق الحديث إلى العاصمة الإدارية للدولة باعتبار أنه مشروع عمرانى يمتص كثيرًا من الأيدى العاملة ويسهم فى التغلب على البطالة، بينما المناقشة تتم حول موقع المشروع، وشكله وتفاصيله باعتبار أن بمصر مشروعات عمرانية كثيرة، بل وربما كانت هناك وحدات سكنية فارغة كثيرة، لذا فإن المشروعات العمرانية يجب أن تتجه لتوفير ما يحتاجه المجتمع والطبقات الفقيرة والوسطى، ومدى انطباق هذا على مشروع العاصمة الإدارية. وهو ما ينطبق أيضًا على ما جاء فى الحديث عن الإسكان.

ربما كان من أهم ما جاء بالحديث موضوع المشروعات الصغيرة المتوسطة، ولكن كان من المهم أيضا إعادة تشغيل الطاقات العاطلة المتمثلة فى المصانع العاطلة والأراضى غير المزروعة فهى مكملة لها وربما سابقة لها والمطلوب ليس تقريرًا عن الإنجاز وإنما رؤية للعمل والتحقيق.

هل يشكل الرئيس لجنة تحضيرية لوضع تفاصيل الرؤية المطلوبة تكون معيارًا لمن يتعاون معه فى سبيل تحقيق أهداف نتجه إلى تحقيقها؟ أتمنى أن أشهد ذلك فى حديث مقبل