رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضـد الغــلاء .. ولكن


لاشك لدينا فى وجود ضغوط تثقل كاهل الأسرة المصرية فى مواجهة متطلبات الحياة الضرورية، مع إيماننا الكامل بأن الضروريات فى عصرنا الحالى تختلف كل الاختلاف عنها فى أزمنة سبقت، فالمدنية والتقدم الحضارى والتكنولوجى أصبحت متطلباتها تتخطى حدود المأكل والملبس والسكن.

حيث أضيفت إليها ضرورة رأب الصدع والخلل فى العملية التعليمية من الحضانة إلى الجامعة ؛ لتلقى العبء الأكبر وهو توفير الأموال اللازمة لجلب «العلم» لجيل الأبناء من بائعيه ومحتكريه من أساتذة المواد الذين أصبحنا نشاهد إعلاناتهم على جدران المنازل ولافتاتهم الفجَّة التى تعلن بغرابة عن «أسطورة الكيمياء» و «أرسطو الفلسفة» و «فارس الفرنسية» و «امبراطور اللغة العربية»، وكأنهم يعرضون بضاعتهم فى أسواق المدينة لراغبى الشراء، فلا تجد الأسرة المصرية التى تجنح إلى البحث لأبنائها عن موضع قدم فى شارع المستقبل مفراً من أن تقبل صاغرة شراء هذه البضاعة، يستوى فى هذا الأسر الغنية والفقيرة، فكل مستوى يشترى مايتناسب مع تطلعاته بحسب قدراته المادية المتاحة . وبهذا أصبحت الأسر كلها فى المواجهة ــ وظهرها إلى الحائط ــ مع تجار السلع الغذائية والعقلية معًا، والتاجر يعمل بعقليته الرأسمالية دون أن يضع فى اعتباره ظروف الدولة الآنية وأنها فى حالة حرب حقيقية ضد الإرهاب، منتهزًا تراجع دور الأجهزة الرقابية عن المتابعة ومراقبة الأسواق مراقبة فعالة لحماية ماتبقى من جنيهات فى جيب المستهلك المطحون العائش بين طرفى الرحى «الاستغلال من جهة وضرورة حماية الوطن من جهة أخرى» !! وهنا يجب أن يبرزالدور الخطير والمهم الذى لابد أن تلعبه الأسرة المصرية المخلصة للوطن وضرورة مساندته لاجتياز هذه المحنة الطارئة، وذلك بالبحث عن طرق فعالة لمواجهة جشع واستغلال التجار سواء بإعلان المقاطعة الجماعية لبعض السلع التى فاقت أسعارها المعدلات الطبيعية، تعاونها فى هذا منظمات المجتمع المدنى صاحبة التوجهات الوطنية المخلصة لقضايا ومشكلات الفرد فى مجتمعه، أسوة بما حدث فى ألمانيا قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية حيث واجه الشعب الألمانى بعد الهزيمة أفدح أنواع المجاعة والعيش تحت الحصارالقاسى الذى فرض عليه ؛ وكان كل ثلاثة. أفراد يتقاسمون فى الوجبة «بيضة» واحدة فى اليوم ؛ علاوة على حرمان الشعب الألمانى من «الوقود» وتصديره إلى الدول المنتصرة فى الحرب ليموت البعض من جراء البرودة القاتلة التى أودت بحياة الملايين بخلاف قتلى الحرب، ومع كل هذا خرجت المانيا من المحنة واجتازت العقبات لتصبح فى الصف الأول بين دول العالم، وذلك بفضل تعاون الجماهير رغم فقدهم لما يزيد على أربعة ملايين نسمة أكلتهم نيران تلك الحرب الضروس . وأنا هنا لا أدافع عن الدولة، ولا عن أجهزتها التى تقاعس بعضها عن القيام بأدوارها المنوطة بها، ولا عن بعض النفوس الضعيفة التى استغلت انشغال الدولة فى إعادة التنظيم لتحقيق الأمن والأمان، ولكنى أهيب بالشعب أفرادًا وجماعات بأن يأخذوا بزمام المبادرة والتكاتف مع الدولة لمحاربة الغلاء ـ مثلما حدث فى السابق بتلبية نداءات ربات البيوت بمقاطعة بائعى اللحوم فى حى المعادى لإجبار التجار على تخفيض سعرها فى السبعينيات آنذاك ـ وطبيعى أن نكون ضد الاستغلال لكسر موجة الغلاء التى زادت وتوحشت وضربت شواطىء وجنبات حياتنا مهددة إياها بالغرق بفعل جشع التجار وأصحاب رأس المال كما أسلفنا، ولكننا فى الوقت نفسه نشدِّد على تفعيل دور الأجهزة الرقابية فى الدولة .. لتحقيق التوازن بين المتطلبات الحياتية وبين ضرورة الصمود كحائط صد متين معها لردع الاستغلال والمستغلين، عملاً بالمثل الشعبى المصرى العبقرى : يـدُ ُ واحدة .. لا تصفـِّق !

أستاذ الدراسات اللغوية ـ أكاديمية الفنون