رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام الآخر


إبراز السلبيات والتركيز عليها بشكل يبدو متعمداً سمة تميز أداء بعض الاعلاميين، لأنه يعتبر الإيجابيات القاعدة أما السلبيات الاستثناء ووفق هذه الرؤية يميل المتلقى إلى متابعة هذا الاستثناء غير المعتاد فهو ينجذب إلى الجوانب السلبية أو كل ماهو خارج عن المألوف من شواذ الأمور، لأنه غير عادى وأكثر إثارة .

بل يمكن القول إن قنوات فضائية ليست بقليلة تقوم سياستها التحريرية على هذا الفهم لدور الإعلام ومن ثم اعتمدت أفكارها البرامجية على تقديم كل ما هو غير عادى أو مختلف، ويستند أصحاب هذا الرأى على قاعدة مهنية يعلمها المتخصصون فى مجال الأخبار وهى أن الحدث لابد أن يكون جديداً وغير عادى ومثيراً حتى يصبح خبراً وهى مرتبطة بما يعرف معايير الخبر، غير أن أصحاب هذا الرأى قد جانبهم الصواب ووقعوا فى خطأين جسيمين نوضحهما فيما يلى:

الخطأ الأول أنهم فعلوا كمن قالوا «ولا تقربوا الصلاة» وكفى، حيث معايير الخبر على النحو الذى يطبقونه ناقصة ولابد من إكمال القاعدة المذكورة بإن الخبر أيضاً لابد أن يكون مستحوذاً على الاهتمام ويتعلق بالناس.. الخطأ الثانى أن القاعدة المذكورة تطبق على الأخبار فقط وليست شرطاً أن تطبق على البرامج ومنها برامج العرض الكلامى المعروفة بالتوك شو، وحتى لو تم تطبيقها على هذا البرنامج أو ذاك فلابد من الالتزام بكل المعايير ومنها المعياران الأخيران وهما الأهمية وأن يتعلق الموضوع المثار فى البرنامج بالمتلقى لأن كليهما يقودان إلى التمسك بالقيم المهنية وهى قيم أقرب ما تكون إلى الأخلاق مثل النزاهة والدقة والموضوعية والمحاسبة والمصلحة العامة فإذا بحثنا عن موضوع برامجى جديد وغير عادى ويتسم بالإثارة لابد أن يكون أيضاً على قدر عالٍ من الأهمية ويتعلق باهتمامات المتلقى أو الناس ومن هنا لايقع منتج البرنامج فى مأزق الخروج على النظام القيمى للمجتمع مثل كثير من البرامج الموجودة حالياً.

إن الإعلام الآخر هو الذى يلقى الضوء على النصف الفارغ من الكوب فقط وهو بذلك يصبح إعلاماً هادماً، والواقع أن الإعلام يمكن أن يكون أداة بناء عندما يتناول الجوانب السلبية للأداء المجتمعى لبحث أسبابها ورصد وسائل إزالتها من قبل أفراد ومؤسسات المجتمع وفى الوقت نفسه تعلية الجوانب الإيجابية وإبراز النماذج الإنسانية والطاقات البشرية القادرة على الإنجاز بعبارة أخرى الإعلام هو الذى ينظر أيضاً إلى النصف المملوء من الكوب وينبذ البرامج التى تطيح بقيم المجتمع عند تناولها موضوعات متدنية أخلاقياً!!

وحتى ندرك ما تقدم يقوم الإعلام بتحقيق ثلاث وظائف رئيسية التثقيف والأخبار والترفيه، ومن المفترض خلق حالة من التوازن الموضوعى بين الوظائف الثلاث خاصة فى القنوات العامة التى تقدم الأشكال البرامجية المتعلقة بأداء دور ثقافى تعليمى يقدم المعلومة للمتلقى فى كل مجالات العلوم والثقافة وتقدم خدمة إخبارية على مدار الساعة تلاحق الأخبار فى كل مكان وتنقل الأحداث لحظة وقوعها وفى الوقت نفسه تقدم ترفيها راقياً غير مبتذل ويعلى من قيم الفنون والجمال والذوق الرفيع.

لو طبقنا ما ذكرناه على ما يقدم اليوم فى الإعلام المصرى سوف نكتشف أن ما أسميناه الإعلام الآخر هو السائد حالياً وفى اعتقادى أنه لابد من وجود إعلام متوازن لاينظر فقط للنصف الفارغ من الكوب !!

من هنا كان يجب عدم المساس بإعلام الشعب بل دعونا القول يسهم هذا النوع من الإعلام فى الخروج من عنق الزجاجة وبناء وتنمية المجتمع ونؤكد على أن المتلقى قد ينجذب لغير المألوف أحياناً لكنه دائماً يريد أن يرى حياته وهمومه وتطلعاته فى مرآة الإعلام وهو النموذج الأرسخ والأبقى أما الإعلام الآخر هو كموج البحر يأتى أداؤه عالياً هائجاً ثم سرعان ما يهدأ ويتلاشى!