رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إمرأة برتبة " شاويش"..!!


لا تزال الصفعة التى لصقتها الشُرَطِية التونسية على " خّد " البوعزىزى تذكرنا بأن قضية المواطن الحقيقية مع النظام هى الكرامة والعيش الكريم . وأن تجاهل كرامة الانسان هى مصدر كل الكوارث السياسية والاقتصادية التى تدفع المجتمعات برمتها فاتورتها الغالية .. ولأننا جميعا ً لا نزال ندفع ثمن " الصفعة "؛  فعلينا أن نتسال: هل تعلمت الأنظمة العربية حقاً الدرس ..؟

فقد حرق البوعزيزى نفسه ليس فقط لأن التى صفعته على خده " إمرأة " برتبة " شاويش" وهذه جريمة اجتماعية تقرها ثقافة الشعوب العربية وتعطى للمصفوع شرعية الانتقام لكرمته التى أضأعتها السلطة الحاكمة على " كف امرأة " .. ولأن ثقافة العرب لا تحبذ دائما فكرة انتقام الرجل من الأنثى؛  فإنها تجعل النضال ضد من يحميها ويمنحها السلطة مشروعا .. ولهذا فلا غرابة أن تجد حادثة ثأر فى صعيد مصر يموت فيها العشرات بسبب امرأة سبت أو صفعت رجل .. والأغرب أن معظم الذين يقتلون فى سبيل الكرامة " رجال "  وتظل المرأة "مُفَجِّرَة " الكارثة على قيد الحياة ...لهذا فقد مات البوعزيزى  وأُسقِطَت لموته " أنظمة " ومات بعده ألاف، ولا تزال مسبحة الموت تنفرط  و " المرأة الشرطية " التى صفعته لا تزال على قيد الحياة .. ولا يزال " خَد " البو عزيزى على " كفها " يصرخ فى وجه كل نظام لا يحترم كرامة الانسان ..!!

ولأن سلوك الانسان دائما مع السلطة تحكمه نظرية " القهر والحيلة" .. فقد جفت كل ينابيع " الحيَّل " فى ذهن البوعزيزى للتغلب على " قهر" السلطة التى صفعته و" اعتقلت" عربة الخضار التى يمارس من خلا لها حقه فى العمل .. وسَدَت فى عينيه كل مصارف العيش .. ولم تترك له سوى "جركن" من البنزين فى يده..  و"عودا" من الكبريت فى جيبه .. !!

فمخطئ من يتصور أن الثورة قامت من أجل الدفاع عن شخص ..وإنما قامت من مناهضة أنظمة أقرت بأن  مخالفة القانون مبررا لانتهاك كرامة المواطن .. وأن " نقدها"  أو " الاعتراض" على سياستها مبررا كافيا للحرمان من كافة الامتيازات السياسية ومن الحق فى تقلد المناصب العامة، وربما فى حرمانه من خدماته ا الأساسية... وكأن الخدمات التى تقدمها الدولة للمواطن ليست " حق" له ..وإنما " رشوة " مقنعة لقبول النظام والسكوت عن جرائمه .. وكأن المناصب القيادية العامة " منحة"  يمنحها النظام لمن يؤيده .. لذا فلا غرابة إذن فى أن يسبق التقرير " الأمنى" تقرير  " الكفاءة " عند الترشح لوظيفة عامة ..!!

فالأنظمة التى تنتهك كرامة المواطن عادة ما تتعلل بأعذار واهية كغياب الأمن والنظام .. والمتطرفون عادة ما يمنحون لأنفسهم شرعية التضحية بكرامة الآخر فى سبيل تحقيق أهدافهم .. وهنا يظل الإقصاء وهدر الكرامة آلية الأنظمة فى التعامل مع المعارضين ووسيلة المعارضين فى مواجهة المؤيدين .. وكأننا مطالبون بأن نتحول إلى " عبيد" فى زمن تنادى دساتيره بـ " المواطنة "  وأن الحق فى الكرامة لا يقبل المساومة...!!