رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى رسامة أب


اليوم 10 مايو يحتفل الأقباط بذكرى رسامة البابا كيرلس السادس. وهنا نقدم لأبناء مصر بعضاً من الصور النادرة للحياة وللأعمال التى قام بها قداسته، فقد كان أباً حقيقياً. فمع رسامته عرف الأقباط فجر عهد جديد وبدأت حياة الكنيسة مع روحانية جديدة وعصر جديد كذلك. نعم كان الأقباط يتطلعون إلى عهد صلاح وإصلاح، فجاء 10 مايو 1959 محققاً لآمال الأقباط ومجيباً لطلباتهم، حيث تمت رسامة المختار من الله – الراهب القمص مينا البراموسى المتوحد - باسم البابا كيرلس السادس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ليكون أسقفاً على الإسكندرية – حسب التقليد المتوارث عبر الأجيال.

من أجل جمع شمل الكرازة المرقسية، وجه قداسته اهتماماً بالكنيسة الإثيوبية، فبعد عشرين يوماً من رسامته أرسل وفداً مكوناً من ثلاثة من المطارنة وأربعة من الأراخنة يتقدمهم د. مراد كامل «أستاذ التاريخ القبطى والذى كان يجيد 33 لغة منها اللغة الأمهرية» والسيد أمين فخرى عبدالنور «نجل أحد رجال ثورة 1919» إلى إثيوبيا يحمل رسالة لجلالة الأمبراطور هيلاسلاسى الأول تتضمن عزم قداسته إجراء تنظيم أعمال الكنيسة الرعوية والإدارية بالطريقة التى يمكّنها من إداء رسالتها وتحقيق مسئولياتها على الوجه الذى يريح ضمير قداسته أمام الله. وفى عام 1960 أوفد البابا كيرلس الراهب مكاريوس السريانى «فيما بعد الأنبا أثناسيوس مطران بنى سويف» إلى بعض دول شرق أفريقيا ثم إلى جنوب أفريقيا لافتقاد الكنيسة والخدمة بها. كما أوفد وفوداً كنسية لحضور كل المؤتمرات الكنسية التى تم عقدها فى أفريقيا، فأوفد الراهب شنودة السريانى «فيما بعد الأنبا يؤانس أسقف الغربية» لحضور الاجتماع التأسيسى لمجلس كنائس كل أفريقيا. بعد ذلك أوفد د. زاهر رياض «رئيس قسم الدراسات الأفريقية بمعهد الدراسات القبطية» والأستاذ وجدى إلياس عبدالمسيح «المدرس بالكلية الأكليريكية وحالياً الأب مرقس مرقس كاهن كنيسة مارمرقس بتورنتو – كندا» والأستاذ جورج حبيب بباوى «الطالب بالكلية الأكليريكية وحالياً د. جورج حبيب بباوى المتخصص فى الدراسات الآبائية» لحضور مؤتمر الشباب الأفريقى.

أما فى الداخل فقد عاش راهباً حقيقياً، فلم تغير البطريركية من حياته الرهبانية التى بدأها فى 25 فبراير 1928، فعاش بسيطاً فى ملبسه ومأكله ومشربه حتى يشارك الفقراء فى ملبسهم ومأكلهم ومشربهم، فكانت ملابسه من القماش الأسود البسيط دون أى زخارف، كما كان يحمل منديل يد «محلاوى»، وبعد نياحته وجدوه يرتدى على جسده قميصاً من الخيش للتقشف والنُسك. أنا بنفسى جلست معه على أرض إحدى كنائس دير مارمينا بمريوط بعد الصلاة منفردين وحدنا – فى عام 1970 – وتحدثنا فى أمور كثيرة ولم يتردد فى أن يطلب منى أن أحضر له «أبريق قناوى فخارى صغير» ليشرب منه ماء، فأخذ يشرب كما يشرب الرجل البسيط دون أى بروتوكول!! كان يحرص على زيارة كنائس المناطق الفقيرة بالقاهرة والإسكندرية ويجلس مع الشعب كأب وسط أولاده. اكتفى بقليل من الطعام البسيط، ولم يتردد فى توزيع طعامه على الفقراء. فى بساطته تقبل من سيدة فقيرة «بيضتين مسلوقتين» اشتاقت أن تقدمهما له كهدية، فتقبلها مشكوراً – وهو فى الكنيسة – وببساطة قال لتلميذه الشماس روفائيل صبحى «يابنى أهو ربنا بعت لنا الليلة عشاءنا». عاش فقيراً ورحل غنياً بتراثه الروحى.