رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلاقات المصرية السعودية أكبر من الأشخاص


عندما قطع الملك فيصل مد البترول عن الغرب فى حرب أكتوبر، وقال مقولته الشهيرة: «عشنا وعاش أجدادنا على التمر واللبن، وسنعود لهما»، فجاء وزير خارجية أمريكا وقتها هنرى كيسنجر إلى السعودية فى محاولة لإثنائه عن قراره، يقول كيسنجر فى مذكراته: إنه عندما التقى الملك فيصل فى جدة سنة 1973، رآه متجهماً، فأراد أن يستفتح الحديث معه بمداعبة فقال: إن طائرتى تقف هامدة فى المطار بسبب نفاذ الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها، وأنا مستعد للدفع بالأسعار الحرة ؟، يقول كيسنجر: فلم يبتسم الملك بل رفع رأسه نحوى وقال: وأنا رجل طاعن فى السن، وأمنيتى أن أصلى ركعتين فى المسجد الأقصى قبل أن أموت، فهل تساعدنى على تحقيق هذه الأمنية ؟، هذا الموقف وغيره يؤكد أن العلاقات المصرية السعودية أعمق وأرسخ من أن تتأثر بأى متغيرات أو تحديات .

فهى علاقات رسَّخها مصير مشترك ومصالح استراتيجية، بالإضافة إلى مسئولية البلدين عن مستقبل النظام الإقليمى العربى والإسلامى، فهما صمام أمان وحجر زاوية لاستقرار المنطقة وأمنها القومى، وقد رسمت مقولة الملك الراحل عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الحديثة فى عام 1902، والتى عبّر من خلالها ببلاغة واختصار عن مكانة مصر بالنسبة للعرب بقوله: «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب »، دستوراً وخطاً ثابتاً وراسخاً للعلاقة بين البلدين، والتى تجسدت عبر مجموعة من المواقف التاريخية والاتفاقيات والمعاهدات، فأول معاهدة صداقة بين البلدين وقعت عام 1926، وشاركت مصر فى مشروعات عمرانية عديدة لبناء المملكة وفقاً لاتفاقية التعمير بالرياض عام 1939، وساهم الآلاف من المدرسين والأطباء والمهندسين المصريين فى توفير الخدمات المعيشية لأشقائهم السعوديين، وكذلك علماء الأزهر الشريف كان لهم دور رئيسى فى تأسيس الجامعات الإسلامية التى تقوم بتدريس القرآن والسُّنة والعلوم الشرعية بالمملكة، ووقع البلدان أيضاً اتفاقية الدفاع المشترك عام 1955.

وأما عن مساندة المملكة لمصر فى الأوقات الصعبة، فإن المواقف كثيرة وآخرها وقوف السعودية إلى جانب خيارات الشعب المصرى بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ومساندة مصر فى حربها ضد الإرهاب سياسياً واقتصادياً وأمنياً .

إن العلاقات المصرية السعودية سوف تظل علاقات استراتيجية ـ تحت كل الظروف والأوضاع، ولن ترتبط أبداً بأسماء أشخاص أو طبيعة نظام، فقوتها واستمراريتها يضمنها مصير مشترك وزخم وعلاقات شعبية تاريخية.