رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المشتركة وحدها لا تكفى


إن القوة العربية المشتركة يجب أن تكون خطوة نحو نظام عربى جديد مستقل الإرادة ويبدأ، بعد تشكيل القوة المذكورة، بتفعيل معاهدة الدفاع المشترك، فالقوة المشتركة وحدها لا تكفى.

ما زالت الأسئلة حول القوة العربية المشتركة تترى من كل جهة، بينما لا نرى تسريبات حولها، وما زال السؤال الرئيسى سواء كان صريحًا أو ضمنيًا، معلنًا أو مضمرا هو : هل هى بداية لتحول عربى سياسى استراتيجى، أم أنه مجرد إجراء مؤقت يواجه وضعًا محدودًا مؤقتًا، والسبب أن الحديث بدأ ويبدأ بحديث عن الأمن القومى العربى، وإذا كان كذلك فهو يعنى أننا بصدد استعادة الروح القومية والعمل على توفير الأمن لكل شعب عربى على الأرض العربية بل وربما خارجها، وإذا كان غير ذلك فهو أولاً متناقض مع الحديث عن الأمن القومى العربى الذى يتكرر الحديث عنه سواء فى حديث الأمين العام لجامعة الدول العربية، أو فيما صدر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب فى شرم الشيخ قبل مؤتمر القمة العربى، ثم هو متناقض مع حديث الرئيس عبد الفتاح السيسى فى المؤتمر نفسه، ثم هو يخالف إعلان شرم الشيخ الذى صدر فى نهاية المؤتمر، وأخيرًا هو مخالف لما جاء فى كلمات الفريق محمود حجازى فى اجتماع رؤساء أركان حرب جيوش الدول العربية. لكن دعونا نكون أكثر صراحة ونقول إن كل الكلمات السابقة اشتملت على التناقض أو الاختلاف نفسه، بل إن الواقع يوحى بأن الأمر يبدو متناقضًا، فحينما يجرى هذا الحديث بينما الجيش السورى مشغول بمواجهة تدخل خارجى وتآمر داخلى يجرى بتحريض وتمويل وتسليح دول عربية، وفى غياب العراق والجزائر، وهناك حرب تجرى على أرض اليمن بين قوى عربية، فالذى لا شك فيه أن هذه القوة فى حال تشكيلها ستكون مقصورة على مصر ودول الخليج، وعلى محاربة الإرهاب، أو أنها ستكون، حسب تعبير بعض الكتاب، وسيلة لمحاربة الشعوب العربية وليست لمواجهة عناصر خارجية. المفترض أن هذه القوة هى مقدمة لمشروع سياسى استراتيجى عربى تستعيد فيه الدول العربية مكانتها، وتشكل قوتها، وتواجه التهديدات الموجهة إليها من الخارج أولاً، بينما تتمكن من مواجهة أخطارها الداخلية معتمدة على نفسها، ووفقًا لميثاق جامعة الدول العربية فإنه لا يجوز للجامعة ولا لدولها أن تتدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية.

سألنى البعض عما جاء فى أكثر من تصريح، بأن القوة المشتركة ليست إجبارية على الدول العربية وأنها لا تتدخل إلا بطلب من الدولة العربية المعنية، أما عن أنها ليست إجبارية فهذا طبيعى وكل المعاهدات تتحدث عن الانضمام والانسحاب منها، باستثناء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. وتنص اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى بين الدول العربية على أنه «يصدق على المعاهدة وفقًا للأوضاع الدستورية المرعية فى كل من الدول المتعاقدة، ويجوز لأي دولة من الدول المتعاقدة، بعد مرور عشر سنوات من نفاذ هذه المعاهدة أن تنسحب فى نهاية السنة من تاريخ إعلانها انسحابها إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية»، والواقع أن هناك ثلاث دول أعضاء فى الجامعة وليست أعضاء فى المعاهدة المذكورة. ومن الطبيعى ألا تتدخل القوة فى أى دولة دون طلب من الدولة المعنية، أما السؤال عما تفعله القوة المذكورة فى حال طلب دولة فلسطين من القوة المشتركة أن تساعدها نقول إنها قد تساعدها بما تراه فى قدرتها، وقد ترى أنها غير قادرة على ذلك.

قد يكون السؤال الأهم هو ما تقوم به القوة العربية المشتركة فى حال ما تعرضت دولة عربية لعدوان خارجى بافتراض أن دولة عربية تعرضت لتهديد من إسرائيل أو من دولة من دول الجوار، أو من إحدى الدول الكبرى. فما يدور حتى الآن يبدو أنه يتجاهل هذا الاحتمال، متناسين أن إسرائيل معتدية فعلاً على أكثر من دولة عربية، وأن دول الخليج تشعر بتهديد من إيران، وتركيا تعتدى على كل من سوريا والعراق.

أثار بعضهم ما يمكن أن يحدث من أن تتدخل القوة العربية المشتركة فى سوريا بناء على طلب من إحدى دول الخليج أو أكثر من دولة، ورغم أنه موقف يجب أن يكون مستبعدًا تمامًا، إلا أنه يظل محتملاً فى ظل موقف غالبية دول الخليج من الأزمة فى سوريا أو استبعاد سوريا من اجتماعات الجامعة العربية وهو ما يضع مصر فى موقف حرج ويشكل نهاية لجامعة الدول العربية. المفروض أن القوة العربية المشتركة تعاون الشعب السورى فى القضاء على العناصر الإرهابية المخربة التى قامت بتدمير سوريا الحبيبة.

إن القوة العربية المشتركة يجب أن تكون خطوة نحو نظام عربى جديد مستقل الإرادة ويبدأ، بعد تشكيل القوة المذكورة، بتفعيل معاهدة الدفاع المشترك، فالقوة المشتركة وحدها لا تكفى.

خبير سياسى وعسكرى