رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيرات الدولية والإقليمية.. وتأثيرها على المنظور الأمريكى «13»


تناولت فى المقالات السابقة كيف تجاهل قادة حلف الأطلنطى تحديدالتهديدات الجديدة التى اجتمعـوا فى نيوبورت ببريطانيا من أجلها، وحددها تقرير لجنة التخطيط الاستراتـيجى للخارجية الأمريكية «نوفمبر 1988» حيث جاء فيه هذه العبارة.
«أما وقـد انتهت الحرب الباردة بيننا وبين الاتحاد السوفييتى، فإن مصادر التهديـد البـديلة ستكون دول الأصولية الإسلامية والأنظمة السياسية غـيـر المستقرة» وأشرت إلى نشأة مصطلح الأصولية، وأوضحت مفهوم مصطلح العالم العربى بأنه يعـنى مجمـوعة من الدول والشعـوب المتناثرة التى لن تجد لها مكاناً فى عالم الغـد مالم تُؤمن نفسها باستراتيجية عربية موحدة، حيث يتطلب بناؤها إجراء دراسة شاملة للموقف الاستراتيجى أولاً لاستخلاص المحددات التى تعـيقها والركائز التى تعززها، وبدأت بالمنظور الأمريكى والتقارب الأمريكى الإيـرانى باعـتباره المُحدد الأشد خطراً والأعمق أثراً فى الوقت الراهن، وأجبت فى المقال السابق عن السؤال الذى تم طرحه وهو كيف حدث هذا التقارب؟

والواقع فإن هذا التقارب بدأ بعـقد جلسات سرية فى سلطنة عمان، حيث توصل الطرفان إلى تفاصيل تسوية الملف النووى والإعلان عنها فى سيناريو هابط بعـد انتهاء المهلة المحددة بـ 24 ساعة، وفُرضت هذه التسوية على مجموعة 5+1، وفى يقينى أنهما توصلا أيضاً إلى صيغة الاتفاق النهائى الذى سيتم التوقيع عـليه فى نهاية يونيو المقبل، وهو ما يؤكده حسن روحانى فى تصريحه بأن طهران والوكالة الدولية للطاقة النووية قد توصلتا إلى حل النقاط الخلافية والتقنية العالقة فى الاتفاق، والغريب أن الولايات المتحدة وإيران ما زالتا تُمارسان دورهما بمهارة فائقة، وانضمت لهما إسرائيل «الرابح الأكبر من التوترات والصراعات الناشئة فى المنطقة» من خلال تبادل الاتهامات، فقد اتهم المرشد الأعلى لإيران الولايات المتحدة باختلاق ما يُسمى «أسطورة السلاح النووى الإيرانى» بما يسمح لها أن تصف إيران بالتهديد الذى يُهدد العالم، أما إسرائيل فقد رحبت بطلب الكونجرس الأمريكى حق الاطلاع على أى اتفاق مع إيران يتعلق ببرنامجها النووى قبل التوقيع عليه، وإلا ستقوم بالدفاع عن نفسها بصورة منفردة، فهل يُمكن لها العمل المنفرد ضد إيران؟

يشير الواقع إلى أن قدرات إسرائيل لا تسمح بالقيام بضربة عسكرية ضد إيران، حيث يتطلب تنفيذها مساعـدات لوجيستية ضخمة وتكنولوجيا متقدمة للتشويش على المعـدات الإلكترونية الإيرانية بما يضمن تأمين وصول طائراتها إلى أهدافها، فإذا علمنا أن مسافة الطيران بين تل أبيب وطهران قد تزيد على 1800 كم لأدركنا على الفور أن مدى العـمل الاستراتيجى للطائرات لتنفيذ الضربة قد يصل إلى 4000 كم، الأمر الذى يلزم معه إعادة ملء خزانات الطائرات بالوقود من الجو، وهـو ما لم تمتلكه إسرائيل بعد، كما أن الأسلوب الأمثل لتنفيذ هذه الضربة يكون باستخدام طائرات دون طيار كبيرة الحجم، يصل مدى عـملها الاستراتيجى 24/48 ساعة متصلة، ومثل هذه الطائرات لا توجد سوى فى الولايات المتحدة.

ويخطئ من يعـتقـد أن هناك عـداءً بين إسرائيل وإيران، بل هناك روابط تاريخية بينهما ترجع إلى ما قبـل الميلاد، فإسرائيل فلم تنس أن «كورش» هو الذى حرر اليهود من الأسر البابلى، ولذلك ما زالت أرض كورش تُعـتبر موضع قداسة لليهود، ولم تنس إسرائيل أن إيـران قد سهلت لها عـملية القصف الجوى لتدمير المفاعـل النووى العـراقى «أزاريك» فى يوليو 1981، ولم تنس إسرائيل أن إيران أمدتها بالنفط والسلاح لمواصلة الحرب فى سيناء، ولم ينس الإيرانيون أن إسرائيل قد أمدتهم بصواريخ وأسلحة وذخائر من مخزونها الاستراتيجى أثناء حربها مع العـراق، ولم ينس الإيرانيون أن إدارة ريجـان قد أمدتها بصفقة أسلحة تُعـد هى الأكبر آنذاك عن طريق إسرائيل، ومن الطبيعى أن تزدهر هذه الروابط فى ضوء التشابه الكبير بينهما، فكلتاهما دولتان دينيتان، وكلتاهما يعـتبر العرب أقل شأناً وحضارة، وكلتاهما يعتبر أن العرب يقفون حائلاً دون تحقيق وعد الله لشعـبه المختار، ودون تحقيق مشروع إحياء الإمبراطورية الفارسية، وترتيباً على ذلك فإنه يُمكن القول بأن الإرادات السياسية الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية قد التقت عـندما توحدت الأهداف، فتوحد الأهداف يؤدى إلى التعاون، وتفرق الأهداف يؤدى إلى مزيد من اللاتعاون، وسعـت الإرادة الأمريكية والإسرائيلية إلى أن تكون إيران هى المدخل البديل والأداة الجديدة لتحقيق أهداف الإرادات الثلاث مجتمعة، فالولايات المتحدة تهدف إلى إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبير، وإسرائيل تهدف إلى إضعاف الدول العربية إلى أدنى حد ممكن للحفاظ على بقائها فى قلب العالم العربى، أما إيران فتبغى تحقيق حلمها الدائم بإحياء الإمبراطورية الفارسية الساسانية وأن تكون بغـداد عاصمة لها هذا هو ما سنلقى عليه الضوء الكاشف الأسبوع المقبل بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد