رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"عم رجب".. لم يجد من يحنو عليه سوى "الكلاب الضالة"

جريدة الدستور

يتخذ من الرصيف مأوى له، هنا يعيش ويأكل وينام، ليس له من الدنيا سوى ملبس واحد "مزري"، شعره "أشعث أغبر"، ملامحه لا تكاد تراها من فرط ما عليها من غبار أسود، لا يعرف من دنيانا سوى الكلاب التي تتمسح به يألف بها وتألف به، القمامة هي طعامه الذي تشاركه القطط فيه.. يأكلان معًا، كل منهما وجد ضالته في الآخر.

رجل لا يعرف أحد له مسمى، مسلوب نعمة النظر، لا يكاد يدرك يمينه من يسراه، لا تكاد تدرك حروف كلماته المبهمة السريعة. تتحرك الدنيا من حوله وهو قابع في مكانه. هو خارج نطاق الزمن. يمكث هنا منذ سنوات دون أن يعبأ به أحد. الناس اعتادت عليه في هذا المكان. بات ملمحًا من ملامحه. يتوسد بترابه ويفترش عليه لقيماته التي يمرغها في التراب قبل أن تلتقطها فمه، وكأنه ألف أن يسد تضور جوع بطنه ببعض ما تفتش عليه أصابع يديه في القمامة التي يلقيها الناس من حوله.

المكان: أسفل أحد كباري عزبة "أبوقتادة" ببولاق الدكرور. الزمان: أحد أيام شهر إبريل الحارة. الحدث: رجل يعيش زماننا لكنه لا يشاركنا العيش فيه. رجل مجرد من كل شيء، إلا أنفاس يطلقها، لترتد في صدره من جديد.

"اعتدنا على رؤيته منذ 6 سنوات. يتناوب عليه المعدمون أمثاله، لكنهم سرعان ما يتركونه لوحدته".. يقول أحد سكان العزبة. "إذا لم يكن هذا الرجل في دار للمسنين، فمن إذن يستحق التواجد" يضيف هذا الساكن.

يقول مواطن آخر من سكان الحي "أبسط حقوقه.. أن تتبناه الدولة هو والمعدمين أمثاله، في دار للمسنين، أو جمعيات تشرف عليهم، يضمنون فيها حياة لائقة، بدلاً من هذه الحياة المزرية".

"لا يعرف أحد له مسمى.. إلا أننا نناديه بـ(عم رجب). لا يدرك أحد عنه شيئًا، سوى أنه رجل جارت عليه الأيام حتى حولته، إلى بقايا إنسان" يتحدث صاحب عربة كبده عن الرجل.

يضيف "الكلاب هي عيلته.. ربنا عايز كده.. حكمة ربنا بقى".. يتابع "الله زرع الحنان في قلوب الحيوانات الضالة عليه، فبينهم حب من نوع خاص، يلعبان سويا، ويتشاركان الطعام، فكانوا له بدلا من أهله الذين لا يعلمهم أحد".

يلتفت يمينًا ويسارًا.. وكأنه يخشى كل من حوله، أو ربما يستغيث أن تتحرك الدولة من أجل أدنى حياة مرضية لعجوز أعمى لا يستطيع أن يسعى ليعمل.