رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فوضى الفكر و فكر الفوضى


الحالة الفكرية التى يشهدها المجتمع حالياً لا تخرج عن إطار من العشوائية نتيجة عدم الاستقرار الذى عانينا منه خلال الفترة الماضية ما دعا البعض إلى التغول فى سرد أطروحات صادمة ليست بجديدة لكنه ليس توقيتها ولا مكانها لماذا؟ لأن هناك من سيستغل هذه الإطروحات سياسياً أو بعبارة أخرى الترويج لتيار أو جماعة أسدل الشعب عليه أو عليها الستار غير أن الأذيال مازالت قابعة متربصة خلفها تتحين الفرصة لضرب أى إنجاز فى مقتل، ونلاحظ أن المناخ يصبح مواتياً كلما سادت الفوضى خاصة فيما يتعلق بأكثر الأمور حساسية لدى المصريين وهو الدين ونوضح بأننا أمام نموذجين الأول يتعلق بدعوة خلع الحجاب الذى أصبح إحدى سمات شكل أو مظهر المرأة المصرية بل دعنا نقول العربية والإسلامية. وأرى أن الدعوة مختلفة تماماً عن دعوة هدى شعراوى عام 1923، حيث إنها جاءت فى ظل الاحتلال البريطانى لمصر واستهدفت تفعيل دور المرأة المصرية فى مقاومة المحتل أما دعوة اليوم ما غرضها؟ لا أعتقد ان ثمة هدفاً وطنياً وراءها لكن فيما يبدو محاولة لمسايرة نظرية الفوضى الخلاقة التى تريد تدمير المجتمع ذاتيا وليس أسهل من التسرب من خلال الدين لتحقيق هذا الهدف، ومن هنا يقدم أصحاب هذه الدعوة للظلاميين هدية النيل من ثورة الـ 30 من يونيو التى أسقطتهم رغم أن الحجاب من حيث الشكل هو التزام بتعاليم ديننا الحنيف ولكنه من حيث الجوهر ليس دليلاً على التدين، لأنه فى أبسط معانيه علاقة العبد بربه ولا تحتاج إلى إثبات الدليل بالحجاب أو بغيره إذن فى التحليل الأخير يجب أن نتعامل مع ظاهرة التحجب بأنها سمة مجتمعية تدخل فيها عوامل الاختيار الشخصى بلا قصر أو إجبار ويصبح حقاً طبيعياً من حقوق المرأة سواء فى ارتدائه أو خلعه لا يحتاج إلى حملة دعائية لمناهضته لأنها ستصبح كمن يسبح ضد التيار. النموذج الآخر يرتبط بحرية الفكر الدينى إلى حد انتقاد الموروث الدينى وأتعجب لماذا فى هذا التوقيت ؟ أليس هذا محاولة لإعطاء البعض الفرصة لتكفير المجتمع وتقديم غطاء سياسى له لكى يتسرب إلى المجتمع من جديد لاسيما ونحن مقبلون على انتخابات برلمانية سيجد أحدهم فى هذا الطرح معبراً للحصول على مقعد تحت قبة البرلمان، ومرة أخرى ما أسهل التأثير بالدين على توجهات الناخب المصرى لكن ما السبب فى وجود مثل هذه الأطروحات التى قد يكون بعضها أو كلها صادماً لفكر وعقل المجتمع ؟ بصراحة لو كان هناك من يتصدى للإجابة عن تفاصيل الرؤى النقدية للموروث الدينى لما وجدت الفرصة لحدوث هذه الفوضى التى يرى فيها البعض شكلاً من أشكال حرية الفكر والاعتقاد وهذا ينقلنا للحديث عن دور الأزهر الشريف الذى يقود عملية التنوير - أو هكذا هو مفترض– وتناولنا أكثر من مرة أهمية تطوير الخطاب الدينى خاصة أن فكر ديننا الحنيف لا يعرف الكهنوت ويقوم الدعاة من الأزهريين بهذا الدور ولكن للأسف القلة هى المتمكنة التى تمتلك أدوات الإقناع والحجة بالحجة بعيداً عن اتهام الرأى المخالف بالخروج عن الدين لدرجة أن البعض حاول أن يدفن رأسه فى الرمال ودعا إلى إهمال هذه الإطروحات ومقاطعة أو تكميم أفواه منابرها دون الرد عليها وهكذا يصبح المواطن العادى المتدين بطبعه غير المتخصص ضحية فوضى الأفكار التى تنتقد السلف بحق أو دونه. إذن إحياء دور الأزهر ضرورة فى هذه المرحلة لمواجهة فوضى الأفكار وحتى لا نعطى الفرصة لكى تسود أفكار الفوضى وهذا ما يريده من بشر بنظرية الفوضى الخلاقة مستخدماً التأثير السلبى للقوى الناعمة لإحداث التغيير العكسى المطلوب فى المجتمعات العربية والإسلامية ومنها الإعلام وتلك قضية أخرى