رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قطرة الدم المصرى أغلى من برميل البترول


وهذا التنظيم لا بد من أن يوضح مسئولية كل الأطراف فى الحالات التى يمكن أن تتعلق بالأمن القومى العربى سواء فى الخليج أو غيره. وأن يؤكد المسئولون أن الدم المصرى أغلى بكثير من البترول، وإنه ليس للبيع أو الإيجار.

هناك تعبير عربى يصف البعض بأنهم يصطادون فى الماء العكر، أى أنهم يختارون منطقة فيها الماء عكر ليمارسوا صيد الأسماك فيها، وهو تعبير عن أناس يفتعلون عادة الأزمات ليعملوا على تحقيق أهدافهم الدنيئة فى الخفاء، أو على الأقل يستفيدون من إطراء بعض المشاركين فى الأزمة لتحقيق مكاسب شخصية ودفعهم لاتخاذ قرارات هى فى حقيقتها تزيد من تعقيد الأزمة ولا تفيد فى حلها، غير عابئين بأهمية العلاقات وضرورة العمل على المحافظة عليها حتى لا يعكر صفوها شىء، أى أنه فى حالة الأزمات يجب أن يمتنع الصيادون سواء عن تعكير الماء أو عن الاصطياد.

ولا شك أن مصر تعانى حاليا من أزمات وبعضها اقتصادى، وأن دولاً من مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد أبدت استعدادًا لمعاونة مصر فى الخروج من أزمتها، وقد كان مفهومًا أن هذه الدول قد وصلت إلى هذا القرار نتيجة لإدراكها أهمية الدور الذى يمكن أن تلعبه مصر، والذى لا يمكن لغيرها أن تلعبه، وأنها من أوائل الذين يمكن أن يستفيدوا من أن تقوم مصر من كبوتها، لذا فقد أعربت هذه الدول أثناء مشاركتها فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى أن تقدم معونة مالية لمصر فاق مجموعه الاثنى عشر مليار دولار، وقد كان مفهومًا حينئذ أن هذه الدول مستعدة للبدء فى التنفيذ فورًا بعد استكمال بعض الإجراءات القانونية والتى لم يتصور أحد أن تستغرق أسبوعين، ووفقًا لما هو معلن فإن مصر لم تتلق شيئًا من هذا المبلغ حتى كتابة هذه السطور، يربط بعض المحللين، من صيادى الماء العكر خاصة من دول مجلس التعاون الخليجى، بين عدم وصول هذه المعونات إلى مصر وما يرونه من تحفظات مصرية على اشتراكها فى عمليات فى إطار عملية «عاصفة الحزم»، خاصة وقد أبدى البرلمان الباكستانى تحفظاته على المشاركة الباكستانية وقصرها على حماية الحرمين الشريفين، وقد جاء فى بعض التعليقات ما يعتبر مساسًا بالقوات المسلحة المصرية وتهوينًا من شأنها وقدراتها القتالية، بل إن البعض قد وصف القوات المسلحة المصرية بأنها قوات مأجورة، أو قوات للإيجار، إن ما سبق لا يمكن قبوله من الغالبية العظمى من الشعب المصرى ويؤكد على ضرورة وضع أسس للعلاقات بين مصر والبلاد الأخرى بما فيها الدول العربية، وهذا التنظيم لا بد من أن يوضح مسئولية كل الأطراف فى الحالات التى يمكن أن تتعلق بالأمن القومى العربى سواء فى الخليج أو غيره. وأن يؤكد المسئولون أن الدم المصرى أغلى بكثير من البترول، وإنه ليس للبيع أو الإيجار.

زاد من شكوك الكثيرين أن عاصفة الحزم قد جرى إطلاقها عشية اجتماع وزراء الخارجية العرب فضلاً عن مؤتمر القمة، وبدا كما لو كانت دول الخليج تحرج باقى الدول العربية أو تسحبها وراءها إلى الحرب، وأن الدول العربية ليس أمامها إلا أن توافق على ما جعلته الدول المشاركة أمرًا واقعًا، وأن القوة العربية المشتركة التى اقترحت على مجلس الجامعة ليست إلا القوة التى قامت بتنفيذ مهام عاصفة الحزم، وأن القيادة التى قامت بقيادة العملية هى قيادة القوة العربية المشتركة، بل إن مركز «ستراتفور» الأمريكى قد نشر تقريرًا بعنوان «الجامعة العربية تفكر فى قوة مشتركة» يقول فيه إن مصر تحتاج إلى مساعدة مالية مستمرة من دول مجلس التعاون الخليجى وحريصة على دورها ومكانتها كمركز للقوة وأكبر المساهمين فيها، وإن المعلومات المتسربة تفيد بأن القوة المشتركة ستتمركز فى مصر وتتكون من نحو أربعين ألف جندى وأن الكتلة الأكبر من القوات ستأتى من مصر والسعودية والمغرب وبقيادة جنرال سعودى. أى أن الأمور تطبخ بعيدا عن المطبخ الطبيعى وهو اللجنة العسكرية الدائمة المنوه عنها فى الملحق الإضافى لمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى، وتستغل حاجة مصر للمساعدة المالية.

لقد جاء الاقتراح بالتخطيط لمناورة استراتيجية كبرى تشارك فيها مصر والسعودية ودول أخرى على أراضى السعودية لتثير كثيرًا من الشكوك أو تؤكدها، ولست ضد إجراء مناورة استراتيجية عربية مشتركة بل أؤيدها لكنى أدعو لأن تكون مفتوحة لكل الدول العربية، وأن نتفادى سياسة المحاور التى تقسم الدول العربية بدلاً من أن تجمعها، وأن تكون المناورة فرصة لمواجهة التحديات الدفاعية المحتملة، ولحل المشاكل التى ينتظر أن تقابل هذه القوة، وأهمها اتخاذ القرار بالأولويات وجهتها، وتحديد القيادة السياسية للقوة، وكذا حل القضايا الخاصة بتمويل أعمال وعمليات هذه القوة، ونظام إمداد القوة باحتياجاتها خاصة مع تنوع معداتها ومصادرها، وتنظيم الاتصالات، والعقيدة العسكرية