رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كان زمان .. وجَبَر..!!


لا تقتصر الفجوة بين ما كانت مصر عليه حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى  وما ألت إليه فور إعلانها جمهورية فى بدايات النصف الثانى على ما ذكرناه فى مقالنا السابق .. فهناك فجوات إستراتيجية خطيرة على المستويين المحلى والدولي .. إذ أننى أعتبر أن السماح بانفصال مصر عن السودان جريمة إستراتيجية كبيرة لا يغفرها التاريخ ولا تغفلها مقتضيات الحاجة ؛ لما ترتب على هذا الانفصال من كوارث أهمها انقسام السودان من الداخل، وإعلانه الحرب على استقراره ؛ كما أنه مَّكَن المؤامرة الدولية من إحداث شلل استراتيجي لمصر، تمثل فى تفجير إشكالية " سد النهضة" و أجبار  مصر على الاستماتة فى كسب التأييد السوداني لقضيتها المصيرية المتعلقة ببقاء الشعب على قيد الحياة .. فضلا عن حاجة مصر الملحة إلى الأرض السودانية لزراعة القمح ؛ الذى تستورد منه سنويا 60% من احتياجاتها..!!
وإذا كانت مصر تحتفل اليوم بموافقة البنك الدولي على رعاية مليون ونصف أسرة من خلال معاشات ضمانية للفقراء من المعاقين وكبار السن، تصل قيمتها إلى 350 جنيه شهريا .. فلا حرج أن يُخرج لنا التاريخ لسانه.. ليجعلنا نتحسر على حضارة أفلت .. ويذكرنا بما فعلته مصر إبان الحرب العالمية الأولى عندما أعانت بلجيكا بـ " 500 ألف"  فرانك فرنسي كمعونة لمساعدتها فى التخلص  من الفقر؛ مما دفع الملكة إليزابيث آنذاك إلى وضع مصر فى مقدمة كتابها "الذهبي"  الذى تضمن قائمة بأسماء الدول التى  أعانت بلجيكا فى مجاعتها..  وأوجب على بلجيكا أن ترد لها الجميل يوما ما ..!
وحتى بدية الخمسينات من القرن الماضي كانت مصر تتمتع بأكبر غطاء نقدي فى العالم ، حيث كان الجنيه المصري آنذاك يساوى جنيه ذهب وخمسة تعريفة تقريبا، الأمر الذى دفع الرئيس الأمريكي "هارى تورمان "عام 1946 إلى إرسال سابقه "هربرت هوفر"  إلى " الملك فاروق" ليلتمس منه معونة مادية لبعض الدول الأوربية التى  تسببت الحرب فى مجاعتها..!! فى وقت كانت فيه مصر تمتلك أكبر بورصة للقطن فى العالم.. وكانت البرامج الإخبارية العالمية تتداول عبارة باتت لنا  الآن بمثابة الحلم " مصر تنتج والعالم يستهلك .." مما يجعلنا  نتسأل بشدة  " من الذى حول مصر من بلد " مانح " إلى بلد " يتسول"..؟
فرغم اختلاف المؤرخين حول حكم "الملك فاروق".. فإن التاريخ لا ينسى له إغلاقه لمنجم " السكري " عام 1948 ، الذى هو أحد أكبر مناجم الذهب فى العالم ؛ مؤكد أن مصر لديها ما يكفيها من ثروات ، و أن هذا المنجم " حق للأجيال القادمة .. نترك لهم إرث أجدادهم .. حتى لا يقال يوما بأننا فرطنا فى ثروات البلاد.."!!
علما بأن هذا المنجم تعرض فى عهد مبارك لسرقات واستنزاف ممنهج، لصالح حفنة من عشاق السلطة، الذين  أهملوا حق الأجيال القادمة فى الانتفاع بثرواتها.. وبعد هذا الخراب الذى تم هل يستطيع الرئيس السيسى أن يحقق العدل ويعيد الثروة لأصحابها ؟ ولا خلاص .. كان زمان وجَبَر" ...؟!!

[email protected]