رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر بين القلق الشعبى والالتزام الرسمى


لا بد من القول بأنه يجب وضع قواعد لهذا التعاون، فنحن ملتزمون بالأمن القومى العربى بلا شك، وأننا لا بد أن ندافع عن أشقائنا العرب، سواء فى الخليج أو فى أماكن أخرى، لكن هذا الواجب يكون بعد أن يستخدم الإخوة العرب إمكانياتهم، أو أن نقدم لهم ما ليس لديهم من إمكانيات، وهو احتمال ضعيف.

تحدث رئيس الجمهورية بعد اجتماعه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة عن مشاركة مصر فى عملية « عاصفة الحزم» فى معاونة المملكة العربية السعودية وأربع دول من دول الخليج وفى تشاور مع باكستان التى سافر السيد وزير الدفاع مرورًا بسلطنة عمان بعد الاجتماع، وقد عكس حديث رئيس الجمهورية معرفته بالقلق الذى يعبر عنه كثير من المصريين، ويتردد فى أحاديث وتساؤلات الصحفيين والفضائيات والإذاعات من جميع أنحاء العالم، خاصة عن التدخل البري، ولما كانت المعلومات الدقيقة غير متوفرة، والجميع مضطر لتخمين الحقيقة أو محاولة معرفتها من مصادر خاصة ليست دائمًا ملمة بالحقيقة، وليست دائمًا مخلصة فى إجاباتها، أعتقد أن من له أبسط معرفة بالقيادات المصرية الحالية يعلم أن مصر منذ اليوم الأول بعد 30 يونيو تدرك حقيقة الموقف الإقليمى والعربي، وأنها تدرك أن القوات المسلحة المصرية هى الباقية، وأنها يجب الحفاظ عليها، وأنه ربما كانت هناك قوى تعمل على الزج بمصر فى صراعات من أجل إضعافها، وبالتالى تجريد العرب من القوة الأخيرة الباقية، وبالتالى إتاحة الفرصة للقوى الأخرى للانفراد بالقوى العربية كل على حدة، وازدادت هذه الجهود والقوى حدة وعنفا بعد أن قامت القوات المسلحة المصرية بحملتها على الإرهابيين فى سيناء. وأخيرًا فإن تطورات الأوضاع فى اليمن دفعت بالأوضاع نحو منزلقات خطرة، وأتاحت فرصة جديدة لاشتعال صراع جديد مما يصنف على أنه من حروب الجيل الرابع، وأن تصطدم جيوش عربية ببعضها مما يؤدى فى النهاية إلى إضعاف الأمة وعجز الدول العربية عن الدفاع عن مصالحها، بل عجزها عن الدفاع عن نفسها.

أدت هذه التطورات إلى إدراك بعض القوى العربية لهذه الحقيقة وبالتالى دعا الأمين العام لجامعة الدول لعربية الدكتور نبيل العربى إلى تفعيل معاهدة الدفاع المشترك، ودعا الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر إلى إنشاء قوة عربية مشتركة، بينما تكاثرت مطالب دول عربية بتعاون عسكري، مع إدراك بأنه ليست هناك دولة عربية قادرة على مواجهة التحديات التى تواجهها منفردة، وبالإضافة إلى ذلك حل عامل جديد هو أنه فى حين كانت هناك دول أجنبية على استعداد لحماية دول عربية بقواتها، فإن هذه الدول لم تعد على استعداد للقيام بهذه الحماية مع الاستعداد لتقديم بعض المساعدات المحدودة عن طريق تزويدها بالمعلومات، أو القيام بضربات جوية ضد عناصر التهديد.

هنا أعيد النظر فى مفهوم الأمن القومى العربى والذى كان الكثيرون قد نسوه، ولب مفهومه هو أن الأمن القومى العربى واحد، وأنه كل لا يتجزأ، وأن العدوان على جزء من الوطن العربى هو عدوان على باقى الأجزاء، وأنه بناء على ذلك يصبح من واجب الدول العربية أن تساعد أى دولة عربية تتعرض للعدوان، أو لما يهدد أمنها بكل الوسائل الممكنة، وهو ما التزمت به مصر فى زمن الرئيس عبد الناصر، وأشار إليه إعلان دمشق عام 1991 من إشارة لمعاهدة الدفاع المشترك، كما أشير إليه فى حرب تحرير الكويت، وجاء اقتراح إنشاء القوة العربية المشتركة ليسجل الرغبة لدى البعض والتصميم لدى مصر للقيام بالتزامها حيال أمن أشقائهاعلى النحو الذى أشار إليه رئيس الجمهورية فى حديثه بعد اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

هنا يأتى قلق كثير من المصريين من احتمال أن تدفع مصر إلى التدخل فى اليمن خاصة بريًا، ويتصورون أن مصر ستترك تحارب فى اليمن وحدها، ويبقى الآخرون فى وضع المتفرج، وتتحمل مصر فى النهاية القدر الأكبر من الخسائر البشرية، ويتصور البعض أن المساعدات التى تقدمها دول الخليج لمصر تضع مصر فى موقف حرج يدفعها لذلك، ولا شك أن مساندة دول عربية لمصر فى ظروفها الاقتصادية تجعل هذه الدول تتوقع أن تساعدها مصر حينما تتعرض للتهديد، فى حين يرى بعض الخليجيين أن الموقف فى اليمن يوضح مدى استعداد مصر لمعاونة دول الخليج.. لا بد من القول بأنه يجب وضع قواعد لهذا التعاون، فنحن ملتزمون بالأمن القومى العربى بلا شك، وأننا لا بد أن ندافع عن أشقائنا العرب، سواء فى الخليج أو فى أماكن أخرى، لكن هذا الواجب يكون بعد أن يستخدم الإخوة العرب إمكانياتهم، أو أن نقدم لهم ما ليس لديهم من إمكانيات، وهو احتمال ضعيف، لكن المعروف أن المملكة العربية السعودية قد حشدت ما قالت إنه مائة وخمسون ألف جندى على حدود اليمن وبالتالى يجب استخدامهم قبل طلب تدخل برى من مصر، ويجب أن يكون الطلب للدفاع عن المملكة العربية السعودية أو أى دولة أخرى، إذا لزم الأمر!