رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قانون الانتخابات مسئولية الرئيس التاريخية


يبدو أننا نهوى تعقيد أمورنا ونبحث عن الطرق الوعرة فنسلكها رغم وضوح الايسر منها، أقول ذلك بمناسبة تعثرنا فى إنجاز الاستحقاق الثالث فى خارطة المستقبل التى أرادها الشعب بثورته المجيدة فى 30 يونيو وهو انتخاب مجلس النواب، وذلك بسبب الحكم بعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخاب، وهو ما أعاد إجراءات هذا الاستحقاق إلى المربع صفر.

اشتدت الحرب المستعرة بين مصر وأمة العرب من جانب وأمريكا وحلف الناتو والغرب الاستعمارى من جانب آخر، ودخلت الحرب مراحل جديدة أكثر تشابكاً وعنفاً، برغم أن الحرب مازالت فى مراحلها الأولى ولم تدخل إلى المراحل الحرجة.

والحرب بدأت منذ تفجير ثورة 25 يناير 2011 وسقوط نظام مبارك التابع لأمريكا والذى كانوا يلقبونه بـ «الكنز الاستراتيجى» وقبلت أمريكا الهزيمة بمرارة استناداً إلى أن لديها بديلاً استراتيجياً جاهزاً وأقوى شعبياً من نظام مبارك وأكثر وجوداً ومؤثراً فى الشارع.

وهذا البديل كان «الإخوان المجرمون» وكانوا أقدر على تنفيذ المخططات الأمريكية استناداً إلى شعبيتهم وإلى راية الإسلام التى يرفعونها والإسلام براء منهم، ثم فوجئت أمريكا بالهزيمة الثانية على التوالى بسقوط الإخوان وقيام ثورة 30 يونيو ووجد الأمريكان أنهم فى موقف عصيب، لأنه ليس لديهم بديل سياسي يتمتع بوجود فى الشارع بعد نظام مبارك والإخوان، واكتشفت أمريكا أن الأمر الذى عملت من أجله على مدار أكثر من 30 عاماً وهو إبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم والمجىء برئيس ضعيف ومجهز فى المعامل الأمريكية، هذا الأمر قد ضاع وانتهى بوجود رئيس وطنى من خلفية عسكرية على قمة الحكم وهو الرئيس السيسى، الذى عاد بمصر إلى مكانتها الطبيعية وإلى ريادتها بعد طول تهميش، وعادت مصر زعيمة عربية وأفريقية وأعادت علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا والصين وأعادت مصر الاعتبار لمبدأ الاستقلال الوطنى وتغليب المصالح الوطنية المصرية والعربية ومراعاة الأمن القومى قبل إعطاء الأولوية للتبعية الأمريكية ولم تجد أمريكا أمامها سوى شن حرب الإرهاب داخلياً وحصار مصر خارجياً، الأمر الذى فشل على الجبهتين، وقامت مصر بضربات استباقية مثل المؤتمر الاقتصادى ثم القمة العربية ثم عاصفة الحزم، ومن قبل كسر احتكار السلاح، وردت أمريكا بإعلان الاتفاق النووى مع إيران ودعوة الدول العربية الخليجية للاجتماع فى كامب ديفيد للاتفاق على تحالف مقابل إبعاد وعزل مصر. وفى الوقت نفسه، نجحت مصر فى إنهاء ملف أزمة سد النهضة الإثيوبى وتأمين السودان، وكذلك جزء كبير من ليبيا، فضلاً عن حصار الإرهاب فى 40 كيلو فى سيناء، وهكذا ردت مصر بقوة وتسعى فى الوقت نفسه لإنهاء المشاكل الداخلية المزمنة، لكى تكون مصر أكثر قوة ومناعة وترد أمريكا باستخدام الطابور الخامس فى الداخل بديلاً عن الإرهاب الدينى، واستخدام سلاح الإعلام وهكذا تدور الحرب وهى مستمرة وأمامها مراحل أخرى أكثر قوة وخطورة وهى شرسة للغاية، ولكنها تتطلب وعياً شعبياً وتماسكاً فى الجبهة الداخلية وإعلاماً يكشف الحقائق والتفافاً كاملاً حول القيادة السياسية.

 

... لقد جاء الحكم بعدم دستورية قانون تقسيم الدوائر الانتخابية ليفصح فى حقيقة الأمر عن خلل وعدم انضباط ذات المادة الدستورية رقم 102 التى حُكم بصدور القانون مخالفاً لها، ولذلك فإنه مع وجود تلك المادة بحالتها وعدم إمكانية وجود حصر يقينى لعدد سكان كل منطقة، ومع وجود مثل دوافع الطاعنين على القانون لدى مئات الأشخاص غيرهم، فإنه من المتصور الحكم بعدم دستورية أى قانون آخر سيصدر فى هذا الصدد مهما كانت العناية القانونية والسياسية المبذولة فى إصداره. ونفس الشئ فيما يتعلق بالقوائم وشروط العضوية وغيرها من الأمور التى تستوجب بصراحة تعديلاتٍ دستورية ولكن الوقت الآن غير مناسبٍ لها.

لقد اضطرت الحكومة بعد صدور تلك الأحكام الدستورية إلى إعادة دراسة قوانين الانتخابات برمتها لتعديلها بالتوافق مع القوى والرموز السياسية، ولكن ما نشهده من خلافات وما نلمسه من صراعات فى هذا الإطار بما ينذر بدخولنا فى دوامةٍ عاتية والدوران فى حلقة مفرغة، يدعونى لأن أرفع ندائى للسيد الرئيس بالنقاط التالية:

«1» أن الشعب المصرى بطبيعته الخاصة لا يرى فى حاضره ولا يختزن فى ذاكرته مسئولاً عن كل أمور حياته وأحداثه العامة إلا رئيس الدولة، ومن ثّمَّ فإن أى قانون يصدر - وخاصة بمثل أهمية قانون الانتخاب - سيظل رئيس الجمهورية مسئولاً عنه مهما كانت المؤسسات والقوى الوطنية المشاركة فى إصداره، فما بالك والرئيس قائم بأعمال السلطة التشريعية.

«2» الحقيقة التى يدركها الناس جميعاً وتؤكدها معلومات أجهزة الرصد والمتابعة بالدولة، أن كل الأحزاب بلا استثناء لا تمثل فعلياً إلا أعضاءها المؤسسين فقط، وذلك لأسبابٍ عديدة لا مجال لذكرها، وبالتالى ستظل آراؤها فى الشئون العامة قائمةً على مرجعيات وآراءٍ ومصالح شخصية وليست شعبية.

«3» أن النظام الانتخابى الأمثل الذى يتوافق مع المزاج الشعبى وألفه المصريون طوال حياتهم النيابية، هو النظام الفردى فقط وهو ما يطالب به الآن غالبية القوى والنخب السياسية وهذا ما سبق أن أكده الرئيس السابق المستشار عدلى منصور عقب جلسات الحوار الوطنى آنذاك، وكذلك هناك العديد من الوسائل الملائمة لاستشعار نبض الشعب فى ذلك. من ناحيةٍ أخرى فإن إبقاء الدوائر الانتخابية بتقسيماتها الإدارية القديمة يناسب تماماً النظام الفردى دون مجالٍ للطعن بعدم الدستورية.

«4» أنه مع افتراض صحة دواعى البعض لتغيير هذا النظام، فليس من الحكمة إجراؤه فى هذه المرحلة المضطربة، ومن الأفضل ترك ذلك لمجلس النواب القادم. «5» فى ظل فطنة الشعب ومشاعره الملموسة فلن تستطيع عناصر الثورة المضادة الاستحواذ على المجلس وفقاً للنظام الفردى مهما كانت الظروف، والقول بغير ذلك آراه درباً من دروب الظن الآثم. «6» وفى ظل النتائج المحتملة التى قد تسفر عنها مثل تلك المراحل الانتقالية وتخوف البعض من توليفة المجلس، فأعتقد أن من سيقود حركة البرلمان القادم هم المعينون من النخب السياسية وأصحاب المقامات الرفيعة. «7» وفى كل الأحوال أعتقد أن بقاء مجلس النواب القادم مهما كانت أطياف تشكيله، سيكون مرهوناً بتوافقه مع سياسة رئيس الدولة الذى سيظل مدعوماً بالتأييد الشعبى الجارف لسنواتٍ طويلةٍ قادمة وهو ما يمثل ثقلاً سياسياً للرئيس فى مواجهة المجلس.. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل.

لواء بالمعاش