رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورات وربما " خَيبَّات "


فى مقالات ودراسات عديدة قمت بها بعد الثورة حاولت من خلالها رصد المغارم التنموية للثورات العربية .. بكل ما يحمله مفهوم التنمية من مضامين أو معان سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. ولعل هذه المساوئ مجتمعة هى من أشعرت العامة والخاصة بأنها لم تكن ثورات للتغيير بقدر ما كانت " خيِّبات"  فالثورات التى تفشل فى تغيير الأوضاع للأفضل عادة ما يطلق عليها " انتكاسات" رغم أن هذه الثورات نفسها هى من خلعت أنظمة مستبدة من جذورها، بيد أنها لم تأت بالأفضل فى أفضل حالات نجاحها..!!
ورغم هذه المساوئ العديدة للثورات العربية، والتى خلفت ورائها طوابيراً من المتعطلين عن العمل، والذين كانوا بمثابة النواة الحقيقية لصناعة الجريمة وتوطينها فى بلدان الربيع العربي. وأنها وضعت الشعوب العربية قاطبة على مشارف " مجاعة " محتومة؛ بفعل الانهيار المتسرطن للاقتصاد القومي وتدمير بنياته الأساسية .. بل ووضعت الشعوب العربية أيضا على مشارف حرب أهلية طاحنة؛ إذ أنها فجَّرت بقوة فكرة القبلية بل وأحيتها من جديد .. ليس ذلك فحسب بل أيقظت الفتن الطائفية النائمة. ولعل اليمن وسوريا خير شاهد على ذلك .. ورغم كل هذه المساوئ بيد أنه كان لها بعض منافع وربما ميزات لم ترق بعد لمستوى " المنافع" ..!

أولها أن هذه الثورات دفعت إلى زيادة اللحمة العربية بين الأشقاء وأحييت من جديدة فكرة الحاجة " للوحدة العربية" والدفاع العربي المشترك .. ورغم عدم توصل الزعماء العرب إلى اتفاق عربي " مكتوب" بشأن التحالفات العسكرية. ولم تلوح بالأفق معالم الوحدة العربية المرتقبة.. ولم تكن هناك أى ضمانات مشهودة لاستمرارها .. إلا إن ما حدث فى " عاصفة الحزم" دليل قاطع على بزوغ الفكرة وحتمية تطبيقها على أرض الواقع .. وأن نجاحها فى مجابهة التمرد والطائفية فى اليمن .. سوف يؤدى بالضرورة إلى تكرارها فى التخلص من الإرهاب فى ليبيا والعراق وسوريا .. ومن ثم تحدد معالم الفكرة ويصبح للتحالف العسكري خارطة طريق وربما "أجندة " للمستقبل .. 
كما أنني أتصور أن ما قدمته الدول العربية من دعم فى المؤتمر المصري للاقتصاد القومي كان بمثابة بداية حقيقية للتعاون وربما لإحياء فكرة الوحدة الاقتصادية .. ولكن هذا الدليل يحتاج لخطوة جريئة للتنفيذ ولعل هذه الخطوة تتمثل فى الاتفاق حول سوق عربية مشتركة .. تقام على أرض سيناء الحبيبية ..!!
ولم تنته مزايا الثورات عند هذا الحد فحسب..  ففى حين أنها وأدت فكرة التوريث للأبد، فقد كشفت عن القدرات الحقيقية للشباب العربي، ورغبته بل وقدراته على إحداث التغيير.. وكما كشفت الثورات عن بلدان عربية "عميلة" للغرب، تقود أوطانها نحو تنفيذ أجندات أجنبية تهدد للاستقرار العربي .. فقد كشفت أيضا عن " ضحالة" الثقافة العربية ومصدريتها لكافة الأزمات التى أفشلت الثورة .. للدرجة التى تجعلنا نقول " إذا كان لابد من قيام حروب داخلية.. فيجب أن نتبنى جميعا قيام الحرب على " الثقافة"..!!