رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم بين الرجعية و التغريب

جريدة الدستور

إن من ضمن المشكلات التي يتعرض لها من يقع على عاتقه تطوير التعليم في عالمنا العربي هو المنهجية التي تحكم الفكر الذي يضع استراتيجية العمل المؤسسي للمنظومة التعليمية و التربوية المزمع تطويرها ، فمن ناحية نجد أن البعض يؤيد توجيه الدفة نحو النموذج الغربي و محاكاته كما هو و مقارنة ما يتم إنجازه بما وصل إليه الغرب ، و من ناحية أخرى يرى البعض أن النموذج الذي يجب أن نحاكيه يجب أن يكون نابع من تاريخنا القديم و من العصور الوسطى حيث الإرث الثقافي للأجداد الذين صنعوا حضارة في الماضي .
و في حقيقة الأمر يظهر هذا الصراع بين وجهتي النظر في جميع المجالات و التخصصات و المؤسسات في مجتمعنا العربي ، مما يجعلنا نعيش في حالة صراع مع أنفسنا طوال الوقت بين فكر تقدمي متطرف يريد النهضة عن طريق محاكاة كل ما يأتي من الغرب و فكر رجعي ظلامي ينتشر في كل المؤسسات نتيجة الجهل و أحادية التفكير و سطحية المنهج .
إن الفكر الرجعي المتطرف غالبا ما يؤدي إلى تخلف المؤسسات و تحويلها إلى أوكار مظلمة تنتشر فيها موبقات الجهل وضيق الأفق و التشدد و الاعتداد بالرأي و العداء مع كل ما هو مخالف أو مختلف ، و محاربة كل ما هو ناجح طالما يبعد عن المنهجية الرجعية الظلامية المتطرفة .
و كذلك أقول إن الفكر التقدمي الذي يسعى للتطوير عن طريق محاكاة النموذج الغربي كما هو لا يقل خطورة و تطرف عن الرجعية الظلامية ، فالتغريبي عندما يحاكي النموذج الغربي و يستنسخ تجاربه كما هي و يسعى لكي يكون كل ما حوله غربي إنما هو في الحقيقة يمسخ الوعي الثقافي العربي و يجعل الشعب مغتربا عن تراثه و بعيدا عن تاريخه و تائها عن تحقيق أهداف أمته .
لقد أوضح النبي صلى الله عليه و سلم و بين لنا المنهجية التنويرية السليمة الصحيحة التي يجب أن نضعها دائما نصب أعيننا ألا و هي المنهجية الوسطية التي تقف في موضع التعارف و الانفتاح على الأخر ، فالله عز وجل جعل الاختلاف سنة الحياة و لو شاء لجعل العالم أمة واحدة و حضارة واحدة و لكن من حكمته سبحانه و تعالى أن نكون مختلفين كي نتعارف و نتألف و تستفيد كل حضارة من الحضارات الأخرى التي تختلف عنها .
لذلك فإن منهجية الوسط يجب أن تحكم التفكير الاستراتيجي الذي يدير المؤسسات ، فلا استنساخ و نقل لكل ما هو غربي ، ولا انغلاق متطرف نحو الماضي ، لذلك أرى أن الرؤية و الرسالة لأي مؤسسة يجب أن تضعها المؤسسة بنفسها و تكون نابعة من الأصول الثقافية و الحضارية للمجتمع أما طريقة تحقيق أهداف هذه الرؤية و الرسالة فيجب أن نستجلب لها خبراء من شتى أنحاء العالم كي نستفيد مما وصل إليه الأخر و نتعلم منه و نطور ما تعلمناه و بهذا تتحقق رؤيتنا و نحافظ على ثقافتنا دون مسخ أو تخلف . عاشت مصر . عاشت أمتنا العربية .