رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوصاية الأمريكية على الأمة العربية والإسلامية


من الطبيعى حينئذٍ أن يراجع الثوّار وأصحاب الانقلابات حساباتهم مرّات عديدة قبل التعرّض لعائلةٍ تقع تحت حماية القوّة العظمى الوحيدة فى العالم. كما تهدف هذه الحماية، أو الوصاية.

أمام العرب الآن خطر اسمه «مشروع الشرق الأوسط الكبير لنشر الديمقراطية الحارقة وتغيير عقلية العرب وفقاً للنموذج الأمريكى»، وهذه معركة أصبحت معركة حياة أو موت، فالإدارة الأمريكية تطرح الآن بل تنفذ ذلك للتدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية وهو فى الحقيقة التعبير الأخير عن الهيمنة الأمريكية وفرض الوصاية على الأمة العربية، والمشروع يدعى أن الهدف نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط الذى يشمل الدول العربية والإسلامية جميعها من الغرب إلى موريتانيا وباكستان وأفغانستان المحتلة حالياً من قبل قوات الناتو، وتقول الإدارة الأمريكية: إنها تريد تغيير الشعوب والحكومات فى هذه الدول تكراراً لما فعلته فى الاتحاد السوفييتى ودول أوروبا الشرقية، وقد بدأت الإدارة الأمريكية فى مباحثات مع شركاء أوروبيين لبلورة هذه الخطة، وهذا المشروع يمثل الاستعمار الجديد للعرب والمسلمين، وما يعلن فى التصريحات عن النيات الحسنة بأن الهدف هو إصلاح أحوال الدول العربية ليس إلا الغطاء السياسى وقد بدأ بالعراق وليبيا وتونس ومصر واليمن والسودان وما يجرى من تآمر عربى على سوريا وشعبها الأبى العظيم، هو طبقة السكر التى تغلف الدواء المر، وأول مرة أعلنت فيها أمريكا عن هذا المشروع عندما ألقى نائب الرئيس الأمريكى «ديك تشيني» السابق خطاباً فى المنتدى الاقتصادى الدولى فى دافوس بسويسرا عام 2003 وقال فيه «إن استراتيجيتنا القادمة نشر الحرية فى العالم تلزمنا بمساندة هؤلاء الذين يعملون ويضحون من أجل الإصلاح فى الشرق الأوسط الكبير، ونحن نناشد أصدقاءنا وحلفاءنا أنصار الديمقراطية فى كل مكان وفى أوروبا على وجه الخصوص، الانضمام إلينا فى هذا العمل»، وقبل ذلك أعلن كولن باول- وزير خارجية أمريكا السابق- عن مبادرة لنشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط أثارت زوبعة من الاعتراضات من الشعوب العربية على أساس أنها تدخل مرفوض.‏ فالهدف إذن من مشروع الشرق الأوسط الكبير هو تغيير العالم العربى والإسلامى تغييراً كاملاً يشمل التغيير السياسى والتغيير الاقتصادى ومسائل الأمن والتسليح وتحديد الطريق أمام هذه الدول لتنفيذ ما يقال: إنه الإصلاحات المطلوبة، ولكن العرب لم ينتبهوا إلى هذا المشروع الإقليمى الصهيونى إلى أن وصلت الموجة إلى رقابهم، ولعلهم سمعوا ما قاله السيناتور الأمريكى ريتشارد لوجار- رئيس لجنة العلاقات الخارجية السابق بمجلس الشيوخ الأمريكى- فى خطابه الذى دعا فيه دول حلف الناتو إلى احترام الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة القوات العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط على القيام بمهامها واستكمال هذه المهام وعدد منها، حفظ السلام، والقضاء على الإرهاب، والإصلاح السياسى والعسكر»، ولعلهم سمعوا أيضاً ما أعلنه السيناتور جون إدوارد- أحد المرشحين الديمقراطيين- حين قال: «نريد تغيير العالم العربى بما يتفق ومصالح أمريكا المستقبلية،‏ أليست هذه هى الوصاية الأمريكية على الدول والشعوب العربية والإسلامية فى القرن الواحد والعشرين،‏ والذى راكمت مخزونه الفائض عقود مريرة اتسمت بمحطات عدوانيةٍ أمريكيةٍ بشعةٍ، يضاف إليها مستمر التبنى الأمريكى للعدوانية الصهيونية المستمرة ورعايتها … فلسطين، العراق، لبنان، أفغانستان، باكستان، الصومال، والسودان… لذا لم يكن تفجُّر ردة الفعل الشعبية ألأخيرة على الإساءة الأمريكية لنبى الأمة ورسولها الأعظم يقتصر على مثل هذا الحدث المقيت المستفز بعينه فحسب ، وإنما لكونه كان بمثابة النقطة التى أفاضت الكأس الممتلئه حتى الثمالة ، وكانت أقرب إلى التعبيرالتلقائى الكاشف عن مدى قبح الصورة الأمريكية فى الوجدانين الشعبيين العربى والإسلامي. ماتقدم لم يكن يوماً من الأيام بخاف على النخب الحاكمة فى الوطن العربى والعالم الإسلامى، وبغض النظر عن طبيعتها ومواقعها واصطفافاتها أو مدى تبعيتها، ومنها أولئك الحاكمون الجدد فى مرحلة مابعد الحراك الشعبى العربى، ومع هذا ، كادوا يبدأوا جميعاً ، المحدث منهم والمزمن، شبه متساوين فى أن يظلوا أبعد ما يكونون عما اعتمل ويعتمل فى وجدان شعوبهم لجهة مواقفهم من معنى هذه الإساءة الأمريكية المشينة، المواقف التى اتسمت بالهزال، أو الصمت، أوالارتباك، وما لا يستطيعون إخفاءه من الحرج.

الأمريكان لا يمزحون فيما يتعلق بمصالحهم ولا يلقون بالاً إلا لما يتهددها فعلاً، كما لا يخفون معاييرهم الصهيونية لسياساتهم فى المنطقة، ولا يحترمون إلا من يتصدى لها، ولنأخذ مثالاً على ضوء الإساءة الأمريكية الأخيرة وردود الأفعال عليها، ولتكن العلاقة الأمريكية مع مصر، أولاً ، لأهمية مصر وموقعها ومكانتها ودورها المفترضين فى أمتها وجوارها الإسلامى والأفريقى، وثانياً ، بالنظر إلى العلاقة غير المتضحة بين مصر مابعد 25 يناير والولايات المتحدة وكيانها الصهيونى فى فلسطين المحتلة، أو غير المختلفة حتى الآن عنها فى عهد مبارك، لم يعجب الأمريكان الموقف الرسمى المصرى، ومعالجته للمظاهرات التى حاصرت سفارتهم فى القاهرة، والتى حمتها وأدت الى استشهاد متظاهرين وجرح العشرات، ووصفوا هذه المعالجة بالرد «المتراخى»، حذَّر أوباما مصر بعبارةٍ تكشف عن مغزاها:

إن مصر «ليست حليفاً ولا عدواً»، واستلت واشنطن سيف المساعدات وشهرته فى وجه القاهرة وضائقتها الاقتصادية، ولنأخذ مثلين لا يستطيع أحد أن ينكر أنّ المملكة العربيّة السعوديّة تقع اليوم تحت الحماية الأمريكيّة، أو بتعبيرٍ أدقّ: تحت الوصاية الأمريكية، حتى باتت المملكة تُوصف بأنّها «محميّة أمريكيّة»، السعوديّة والوصاية الأمريكيّة وحماية الأماكن المقدّسة بل إن البعض يعبّر عن وجهة النظر هذه بطريقة أكثر صدقاً وواقعيّة، عندما يقولون:

إنّ العلاقة بين البلدين تشابه ـ إلى حد بعيد ـ نمط العلاقات التى تقيمها «المافيا مع زبائنها»، تلك العلاقة التى تعتمد على مبدأ «أنت تدفع وأنا أقوم بحمايتك». الوصاية الأمريكية على المملكة العربيّة السعوديّة تأخذ طابع الوصاية العسكريّة أوّلاً، فالولايات المتحدة تمتلك «تسهيلات جوية خاصة» فى أراضى المملكة، أى: أنّها تسرح وتمرح كما تشاء، ووقتما تشاء، دون حسيب ولا رقيب، وليس هذا فحسب، بل قد زُرعت القوّات الأمريكية فى قلب القواعد والمراكز العسكريّة السعوديّة، وهكذا، لتكون كلّ المخطّطات والتحرّكات السعوديّة مفضوحةً ومراقبةً عن كثب. ويُقال ـ أيضاً ـ: إنّ قاعدة الظهران ترتبط ارتباطاً مباشراً بالبنتاجون الأمريكى!! هذه القواعد الأمريكيّة المغروسة فى أراضى المملكة يتواجد عليها عدد كاف من الطائرات والعتاد لردع أيّ عدوانٍ محتمل على آبار النفط السعوديّة، التى هى رأس المصالح الأمريكيّة فى المنطقة!!

إنّ هذه الحماية موجهة أوّلاً ضدّ الشعب السعودى، وخوفاً على النظام الاستبداديّ الذى يديره آل سعود من المشاكل والاعتراضات الداخليّة التى يُتوقّع أن تثور ضدّ الأسرة الحاكمة، من منطق أنّه سيكون .

ثانياً إلى حماية النظام السعودى من جيران المملكة خشية أن تشتدّ شوكة بعض أُولئك الجيران.

■ أستاذ قانون دولى