رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مزدوجو الجنسية بين الديمقراطية وعدم الدستورية


لا بد من سؤال أولاً لأولئك الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بالنسبة لانتخاب مرشحين مزدوجى الجنسية، أليست العودة للشعب ضماناً لعدم انتخاب من لا يصلح؟

تميزت أحكام المحكمة الدستورية الأخيرة بأن قضت بعدم دستورية بعض مواد القوانين التى نظمت وما زالت تنظم الانتخابات التشريعية الخاصة بانتخاب مجلس النواب القادم، وتسبب ذلك فى نوع من الارتباك فى الحياة السياسية المصرية التى لا ينقصها الارتباك أصلاً نتيجة لضعف الأحزاب والقوى السياسية، وهكذا وجدت اللجنة العامة للانتخابات نفسها مضطرة لـتأجيل الانتخابات التشريعية والتى كانت تخطط لتكون أحد مقومات مصر فى المؤتمر الاقتصادى لتنمية مصر فى شرم الشيخ ويرمز إلى أن مصر بلد مستقر، وأن القوانين لن تصدر عشوائية ولكن وفقا لما يراه أبناء الشعب المصرى أنه يحقق مصلحته، وإذا كان الأمر يبدو سهلاً فيما خص تعديل المادة الخاصة بتقسيم الدوائر، فقد جاء الحكم بعدم دستورية حرمان مزدوجى الجنسية من حق الترشح فى انتخابات مجلس النواب الجديد مثيراً للمخاوف، والغضب، بل إنه لم يكتف بإثارة حق مزدوجى الجنسية فى الترشح لمجلس النواب، بل أثار مخاوف من احتلال مزدوجى الجنسية لمناصب الإدارة العليا فى الدولة مثل منصب المحافظ، والوزير وغيرها.

كان من أهم ما ثار حول هذه القضية ذلك القسم الذى يؤديه حامل جنسية الولايات المتحدة الأمريكية من أولوية الإخلاص للولايات المتحدة الأمريكية على أى أولوية لجنسية أخرى، وقد تطوع أحد مشاهدى إحدى قنوات التليفزيون الخاصة بأن ذكر نص القسم كما نقله، وفى الحقيقة فإن النص مفزع حينما تتصور أن يؤديه شخص مصرى مسئول، لكنى أقول إن مزدوج الجنسية لن يصبح مسؤولاً فى مصر أو يتبوأ منصباً من نفسه إلا فى حدود القطاع الخاص، وبالتالى فهو لن نجده فجأة فى منصب حساس، ولكن هناك من سينتخبه إذا كان منتخباً، أو أن هناك من سيعينه إذا كان معيناً كالوزير والمحافظ وهما منصبان مهمان، وبالتالى فإن المخاوف التى ترددت يمكن أن يرد عليها بألا تنتخبوه ولا تعينوه.

تعود بنا القصة بالحديث عن الديمقراطية والتى يفترض أنها تعتمد على حسن اختيار الشعب لمن يمثلون مصلحته، خاصة فى الانتخابات، كما يعتمد على حسن اختيار كبار المسؤولين لمن يرشحونهم أو يعينونهم فى مواقع حساسة يقسم فيها المسؤول عن رعايته مصالح الشعب رعاية كاملة، فى حين أنه سبق له أن أقسم بأن يرعى مصالح دولة أخرى أكثر من أى شىء آخر، وقد كان ذلك سبباً فى التشدد فى قبول المرشحين والمتقدمين لتولى الوظائف مثلاً بأن يكون من أب وأم مصريين وجد وجدة مصريين، لكننا وجدنا وزراء ومحافظين يحملون جنسيات أخرى وذكر بشكل خاص اسم الوزير السابق الدكتور يوسف بطرس غالى، واسم محافظ الإسكندرية الحالى باعتبارهم مزدوجى الجنسية.

هنا لا بد من سؤال أولاً لأولئك الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بالنسبة لانتخاب مرشحين مزدوجى الجنسية، أليست العودة للشعب ضماناً لعدم انتخاب من لا يصلح؟ ألا يمكن تحذير الناخبين من أن المرشح الفلانى مزدوج الجنسية، وأنه أقسم بالإخلاص لدولة أخرى وشعب آخر؟ هل هناك ما يمنع من ذلك، أم أننا لا نثق فى اختيار الناخب، وأننا نريد أن نحاصر الناخب لكى يختار من نريد نحن أن ينتخبه؟ لقد سبق أن أثيرت نفس القضية عند بحث مسألة العزل السياسى وحرمان السياسيين السابقين، خاصة الذين انتموا إلى الحزب الوطنى الديمقراطى سابقاً من الترشح، وأخيراً أثيرت نفس القضية بالنسبة لترشح المهندس أحمد عز، وإذا كان القضاء الإدارى رفض ترشحه، فقد كان ممكناً أن يكون الحكم غير ذلك، خاصة أنه لم يحكم عليه حكم نهائى بات، وماذا كان يمكن أن يفعل المهندس أحمد عز وحده فى مجلس من غير اتجاهه؟

نفس الأمر يتكرر فيما يخص انتخابات مجلس النواب فإذا استمر قانون الانتخاب يسمح لمزدوجى الجنسية أن يترشحوا لمجلس النواب فمن الممكن أن يوضح المنافسون أنه مزدوج الجنسية ومدى خطورة انتخابه، كما يمكن حصاره فى المجلس بحيث نوقف خطورته؟ ولنثق فى أنفسنا وفى ناخبينا، وإلا فنحن نعترف بأننا غير مؤهلين للديمقراطية.

قد يكون من المناسب أن نضىء الوجه الآخر للقضية، فكما أن هناك من يحمل الجنسية الإسرائيلية هناك من يحمل جنسية أجنبية ولكنه مخلص لمصر، أذكر هنا الدكتور مجدى يعقوب، والدكتور مصطفى السيد، وأحمد زويل، لكن من المفضل الاستفادة بمثل هؤلاء فى المجالس الاستشارية وليس فى المواقع الحساسة.

خبير سياسى و عسكرى