رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قرار رئيس الجمهورية بالعفو باطل


قرارات رئيس الجمهورية بترقية البعض ومنح البعض أوسمة جاء بنية غير خالصة ويقصد بها ضرب عهود سابقة على النحو الذى يرضى البعض ويلقى بالاتهام على بعض آخر.

أصدر رئيس الجمهورية قرارا بالعفو عن المتهمين فى قضايا ما يسمى بـ«مناصرة ثورة 25 يناير»، وربما كان هناك بعض عناصر القرار ما زالت غير واضحة، ولكنى أشعر بأن الاتجاهات الخاصة برئيس الجمهورية واضحة منذ بداية توليه للسلطة ووعوده التى قدمها، وهو ما يعطى انطباعا بالعفو عن كل من ادعى بأنه ناصر الثورة، وعلى من يريد أن يعترض عليه أن يقدم دليله.

يبدأ الحديث بالسؤال عما إذا كان قرار رئيس الجمهورية هو قرار بقانون يعرض على مجلس الشعب عند انعقاده، أم أنه قانون صدر باعتبار أن الرئيس قد اعتبر نفسه قائما بالسلطة التشريعية، إذا كان الوضع الأول فإن العفو يصبح معرضا، ولو نظريا، لإلغائه فى حال عدم موافقة مجلس الشعب عليه، أما إذا كان صادرا باعتباره يمارس السلطة التشريعية فإن القرار يتعرض للطعن فى دستوريته باعتبار أنه لم يكن من حقه أن يلغى الإعلان الدستورى المكمل، ولا إصدار إعلان دستورى جديد.

أما تفاصيل القانون فهى مثيرة للجدل، حيث تعتمد على ما يقال عن مناصرة الثورة، وهو ما قد يعنى أن الذين أحرقوا أقسام الشرطة ومجمعات المحاكم وسيارات الشرطة ومقار الحزب الوطنى والمتحف المصرى والفنادق أصبحوا معافين بحكم القانون الأخير ما لم يكن قد اتهم بالقتل، أى أنه لو كان قد أصاب أحد المواطنين أو أحد أفراد القوات المسلحة ولو بفقدان البصر فإنه يناله قرار العفو، ناهيك عن سيارات الشرطة والقوات المسلحة والفنادق والمجمع العلمى والاعتداء على مجلس الشعب، ورئاسة مجلس الوزراء، ووزارة الداخلية ووزارة الدفاع.

قد يرى البعض أن هذا طبيعى فى أحوال وظروف الثورة، وهو ما أظنه غير صحيح، فالثورة لها طابع محدد والمفترض أن يكون لها مسئولون يحددون الأهداف والإجراءات، ويوقفون المتجاوزين عند حدودهم حتى لا تكون الثورة خرابا على البلد بدلا من أن تكون طريقها إلى التقدم، الأخطر من هذا أن العفو يمكن أن يكون مرشدا لغيرهم بأن يحرق ويدمر على أمل أنه سيصير العفو عنه بقانون، وهكذا نعانى مرة أخرى من محاولة إعادة البناء، ونعود إلى قصة الحوض الذى يملؤه الصنبور وتفرغه البالوعة، والنتيجة لا شىء يبقى، وأن نستمر فى مسلسل من الانفجارات والانتفاضات لا ينتهي، ولكن نحن الذين ننتهى.

ثالثة الأثافى كما يقولون ما قيل عن أن القانون ينطبق على من يطلق عليهم مصطلح «ضباط 9 أبريل»، وهو ما يعنى أننا نهدم القوة الباقية فى مصر، صحيح أننا بدأنا بهدمها مبكرا، لكن يبدو أننا لم نكتف بما حققناه حتى الآن، والذى أصاب كثيرين ممن ينتمون إلى هذه القوات أو انتموا إليها فى وقت من الأوقات بالغضب والألم، وهو ما يمكن الإحساس به عند أى مناسبة تجمع بالكثير من هؤلاء، صحيح أن هناك قلة معجبة بما حدث لكنها لا يقاس عليها، خاصة بعد الاحتفال الباهت بعيد 6 أكتوبر، والذى لم يدع إليه أحد ممن شاركوا فى القتال فى أكتوبر 1973، وتحول إلى احتفال خاص بجماعة الإخوان المسلمين بداية بالدعوة إلى حضور الاجتماع مرورا بتنظيم الاحتفال إلى تأمينه، وأخيرا إلى مضمونه الذى يتحول إلى كشف حساب عن برنامج المائة يوم الذى كان قد تحدث به رئيس الجمهورية، والذى أسهب فى الحديث عن إنجازاته خلال الاحتفال دون أن يقنع أحدا، اللهم إلا أنصار الجماعة الذين مستعدون دائما لتأييد ما يقوله رئيس الجمهورية وبغض النظر عن المضمون.إذ إن العفو بهذا الشكل يلغى أهم ما يميز القوات المسلحة، ويلغى دور القادة، وهو ما يذكرنى بما كان يقوله لنا الأميرالاى أ. ح محمد إبراهيم حينما كان كبير معلمى الكلية الحربية وأنا طالب فى الكلية «أصبح بعد ذلك رئيسا لهيئة أركان حرب القوات المسلحة»، إذ كان يقول :«اسمعوا يا ولاد، الجيش من غير ضبط وربط يبقى مظاهرة»، ويبدو أن رئيس الجمهورية قد أعجبته المظاهرات فيريد أن يكون جيشنا مظاهرة. كذلك فإن تفرقة الكثيرين بين القوات المسلحة وقيادتها تذكرنى بمدرسنا فى أكاديمية فرونز العسكرية العليا فى الاتحاد السوفيتى العقيد كالينين حينما قال: «عشرة جنود لا يشكلون جماعة بعد، لكن تسعة جنود وقائد يشكلون جماعة»، ويبدو أيضا أننا نريد لقواتنا أن تكون مجرد أفراد، وإذا حدث هذا نكون قد أفقدنا أولادنا وأحفادنا القوة الباقية فى مصر والتى يفرط الكثيرون فيها، وإن تحدثوا بكلمات من هنا ومن هناك لكنها تبقى جوفاء بينما يستمر الضرب فى ثوابت الدولة المصرية: القوات المسلحة والشرطة والقضاء، كما سبق استهداف عناصر أخرى مثل مجلس حقوق الإنسان والمجلس الأعلى للصحافة ورؤساء تحرير الصحف.

أظن أن قرار رئيس الجمهورية بالعفو هو من جهة استجابة لطلبات كثيرين ممن انتخبوه، لكنه شديد الخطورة على ما يجرى وما ينتظر أن يجرى فى مصر. إن إطلاق سراح أولئك الذين ارتكبوا جرائم فى حق مصر أو العفو عنهم هو دعوة لآخرين ليحذوا حذوهم، وبالتالى لا أمل فى تحقيق أى من أهداف العمل الوطنى، فلا أمن ولا نظام ولا أظن أن أحدا يمكنه أن يحقق هدفا صحيحا دون أى من الاثنين.

لابد أيضا من السؤال عن موقف أولئك الذين هربوا من السجون خلال يناير وفبراير 2011 وربما بعدها والذين هربوهم، والذين هربوا إلى بلاد أخرى والذين صدرت ضدهم أحكام من محاكم عسكرية، وهل صدور الأحكام فى هذه القضايا من محاكم عسكرية يعفيهم من الحساب؟ ولماذا ينطبق أو لا ينطبق عليهم العفو الرئاسى، ، وهل إذا قبض على أحدهم هل يجرى العفو عنهم؟ وهل يصبح مبررا أن يجرى العفو عمن ارتكب جريمة قبل تاريخ معين، بينما يحاسب من يرتكبها بعد أو قبل تاريخ معين. وهل يصبح قرار رئيس الجمهورية المذكور دستوريا أم يطعن فى دستوريته؟ أظن أن قرار رئيس الجمهورية بهذا الخصوص باطل، ويجب استصدار قرار آخر يحاسب كل من أخطأ.

فى المقابل فإن قرارات رئيس الجمهورية بترقية البعض ومنح البعض أوسمة جاء بنية غير خالصة ويقصد بها ضرب عهود سابقة على النحو الذى يرضى البعض ويلقى بالاتهام على بعض آخر، وإذا كان بحسن نية فهو ينم عن خطأ فادح فى اتخاذ القرارات، وإلا فهو عن سوء نية!

أخيرا يتم كل هذا فى وقت يطالب فيه البعض بمحاكمة أولئك الذين تحملوا المسئولية بشرف وحاولوا الحفاظ علىهذا الشعب، أما الذين عبروا والذين ضحوا فلهم التكريم من الله وليس من غيره، فما قامت به قواتنا المسلحة فى الفترة من يونيو 1967 إلى ديسمبر 1973 أكبر من أن يعطيه أحد حقه.

■ خبير إستراتيجى