رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفرق بين الإعلامى والناشط السياسى


الإعلام هو نقل رسالة تتنوع بين الرأى والخبر دون تبنى وجهة نظر بعينها حتى ولو كان الناقل للرسالة الإعلامية فى داخل نفسه يعتنق فكرًا أو مذهبًا سياسيًا من منطلق أن اعتناق الأفكار والمذاهب حق إنسانى طالما أن مثل هذه الأفكار والمذاهب لا تخرج عن الإطار أو النسق القيمى والأخلاقى للمجتمع بمعنى أن الإعلامى المهنى لابد أن يلتزم بالقيم التحريرية المتعارف عليها فى مهنة الإعلام مثل الحيادية والموضوعية والعدالة والإنصاف والدقة والمحاسبة والمصلحة العامة حتى ولو بشكل نسبى وفى إطار ترتيب للأولويات ويختلف هذا من إعلامى إلى آخر.

لكن فى النهاية هناك إطار مرجعى من القيم يحكم ممارسة عمله سواء كان مذيعًا أو محررًا أو مراسلاً إذن الإعلام ليس توجيهًا أو إرشادًا سياسيًا لكنه عملية بناء متكاملة للفكر الإنسانى من خلال التثقيف أو التنوير والإخبار والترفيه.

وأتصور أن الإعلامى لابد أن يطلع على آخر التطورات والمستجدات ويتابع الأحداث الجارية على الأصعدة جميع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو فنية أو رياضية، كما يجب أن يكون ملمًا بالتطورات الإقليمية والدولية من نزاعات وحروب ومشكلات بين الدول بعبارة أخرى على الإعلامى أن يكون مثقفًا ومدركًا لما يحيط به فى الفضاءات المختلفة.

لكن ليس معنى هذا أنه يعمل فى السياسة؛ لأن العمل السياسى يتطلب الخروج عن دائرة الحيادية والموضوعية ويجعله دائمًا فى موقع المدافع عن أفكار أيديولوجية محددة، وهنا ينتقل من موقع الإعلامى إلى موقع الدعائى وتاريخيًا لم يكن هذا النوع من الأداء الدعائى منتشرًا إلا مع ألمانيا النازية وخلال فترة الحكم الشيوعى فيما كان يعرف بالاتحاد السوفيتى والدول الشرقية إبان الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية حتى سقوط النظم الشيوعية من نهاية ثمانينيات القرن الماضى وحتى فى دول العالم الثالث كانت نظم الحكم الشمولية تفضل الدعاية على الإعلام!!

من هنا نرى أن العلاقة بين الإعلامى والسياسة هى علاقة معرفية وليست علاقة ممارسة بمعنى أن الإعلامى يعرف سياسة ولا يسيس عمله سواء أمام الكاميرا أو الميكروفون ولهذا مانراه فى برامج كثيرة بالقنوات الفضائية يخرج من حيز الإعلام إلى حيز الدعاية لأن المذيع أو مقدم البرنامج يعتبر نفسه مسيسًا ويتحول إلى داعية سياسية ولهذا ليس غريبًا أن نجد إعلاميين يتحدثون بالساعات وحدهم فى برامجهم ويستنكرون آراء من يخالفونهم!!

ولاشك أن هذا التوجه يخالف القيم والأعراف الديمقراطية التى تؤكد على أن الساحة الإعلامية يجب أن تكون مفتوحة لكل الآراء والاتجاهات السياسية التى تصب جميعها فى مصب واحد هو خدمة المجتمع وحل مشكلاته وبناء مستقبله وحتى الخلاف فى الرأى سيفتح المجال لأفكار بناءة وآراء جديدة.

إذن هناك خلط فى المفاهيم لدى بعض الإعلاميين عند مناقشة أبعاد العلاقة بين الإعلام والسياسة ومن بين هذه الأبعاد العلاقة بين العمل السياسى ومهنة الإعلام فهناك من يتصور أن من أساسيات العمل فى الوظائف الإعلامية أن يكون الإعلامى مسيسًا وهذا خطأ جسيم؛ لأن مجال العمل السياسى ليس مجاله الإذاعة أو التليفزيون أو حتى فى الصحافة المقروءة أو الإليكترونية.

إعلامى وصحفى مستقل