رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتاوى تكفير الأقباط


كان أستاذنا آربرى يقول إن الآيات الكونية فى القرآن رقدت تحت رماد التشدد. وكان يعتقد كما أعتقد أنا أن تنزيل رب العالمين، ليس للمسلمين فقط، وأن «رب الناس، وإله الناس» هو رب الكل.

من آنٍ لآخر نسمع ونرى فى الإعلام المكتوب والمرئى مَن يدَّعى بأن الأقباط كفارٌ. أنا لست من علماء الإسلام. ومع أننى درست الإسلام فى جامعة كمبردج «1965 - 1970» مع واحد من كبار علماء الدراسات الإسلامية، وهو آرثر آربرى «Arthur Arberry» وله ترجمة إنجليزية جيدة لمعانى القرآن، إلا أننى أترك المجال للمتخصصين. الكفرُ اتهامٌ خطير له دلالات سياسية، إحداها قتال وقتل مَن يوصمون بالكفار. ومع أننى درست القرآن والفقه، إلا أننى أجد حرجاً بالغاً فى أن أكتب أى شىء عن الدين الحنيف؛ لأننى أولاً لستُ مسلماً، وثانياً لأن هناك جمهوراً من المتخصصين، لا سيما علماء الأزهر هم أولى منى بذلك.

لكنى أرى أن تلك الفتاوى التى تطلق فى مناسبات أزمات وطنية، لها دوافع شريرة واضحة. والبحث عن الفعل «يكفِّر»، وأيضاً الاسم منه فى القرآن جديرٌ بالاهتمام، فهو يخص الذين حاربوا النبى ورفضوا التوحيد. تلك مرحلةٌ تاريخية مهمة تكتنف ميلاد الدين نفسه، ولكن لم نسمع عن تكفير المسيحيين فى العصر الأموى أو العباسى أو عصر المماليك، ناهيك عن عصر الدولة الحديثة على يد محمد على، ولم يكن لتلك الفتاوى مجالٌ بالذات فى تاريخ مصر. بل لم نسمع تلك النغمة النشاز طوال حكم الرئيس جمال عبد الناصر، ولكنها بدأت فى عصر الرئيس السادات، وصارت نغمة مألوفة فى المناسبات المختلفة. لا يعرف الإسلام إلا خالقاً واحداً، خالق البشر أجمعين ورب العالمين. هو خالق الأقباط وغيرهم من الجنس البشري، الذى يؤمن بالإسلام أو لا يؤمن به. هؤلاء كما نقول بالعامية «مخاليق ربنا»؛ لذلك أصبح اتهام البشر الذين خلقهم الله، بأنهم كفار، يحمل اتهاماً مؤداه أن الله ترك هؤلاء فى جهالةٍ وظلام، وبالتالى يصبح هذا الاتهام ذاته كفراً بالخالق.

كان أستاذنا آربرى يقول إن الآيات الكونية فى القرآن رقدت تحت رماد التشدد. وكان يعتقد – كما أعتقد أنا – أن تنزيل رب العالمين، ليس للمسلمين فقط، وأن «رب الناس، وإله الناس» هو رب الكل. ليت الأستاذ الدكتور محمد كريمة، ومعه أساتذة الأزهر الأجلاء يرفعون الحرج عنا بإبرازهم تلك الآيات الكونية، لا سيما تلك التى تصف بقولٍ بليغ محكم رب العالمين وخالق الكل، وتلك التى لم نصل إلى محتواها بعد «لا إكراه فى الدين»، وهو مبدأٌ دخل دساتير الدول المتقدمة، فى حين أنه مكتوب لدينا منذ القرن السابع الميلادى.ويا ليت القوى الوطنية تدعو إلى حوارٍ مع دعاة التكفير، فقد أوشكت «الكونيات القرآنية» أن تختفى فى دخان الإرهاب وموجات القتل والتدمير. وأسمح لنفسى أن أذكِّر القارئ: «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم».

أستاذ اللاهوت بالجامعات الأمريكية