رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيـرات الـدولـيـة والإقـلـيـمـيـة.. وتأثيرها فى المنظور الأمريكى «3»


موسكو تسعى إلى تحقيق وتفعـيـل وتعـظيم التعاون الوثيق مع الصين فى مسارين متوازيين، الأول تحقيق الحلم الصينى فى إزاحة الولايات المتحدة من على قمة هرم الاقتصاد العالى وتربٌع الصين مكانها، إذ يمكن تحقيق هذا الحلم بتوفير كل إحتياجات الصين من الطاقة بواسطة الغاز الروسى، حيث تتمتع روسيا بالمرتبة الأولى عالميا فى إنتاجه وتصديره، فى مقابل أن تقوم الصين بتلبية احتياجات روسيا من السلع الغـذائية

أوضحت فى المقالين السابقين أن العالم قد شهد كثيراً من المتغـيـرات التى تميزت بسرعة وكثافة وتراكم تفاعلاتها، كانت أبرزها تلك التى أدت إلى تغـيـيـر النظام الدولى ثنائى القطبية إلى نظام أحادى القطبية احتلت فيه الولايات المتحدة قمة هرمه واستأثـرت بالـنفوذ على الساحة الدولية، وبالمثل شهـد العالم العـربى متغـيـرات أخرى تميزت تفاعلاتها بذات الخصائص، وكان أغـلبها فى أعـقاب تدمير برجى التجارة العالمية فى نيويورك فى 11 سبتمبر 2001والتى أحدثت تغييرا جوهريا فى المنظور الأمريكى تجاه المنطقة، خاصة فى دول ما يسمى بالربيع العربى «دول الأصولية الإسلامية» الذى بدأ مفهوم هذا المصطلح يتبلور فى المنظور الأمريكى عام 1988فى تقرير لجنة التخطيط الاستراتـيجى لوزارة الخارجية الأمريكية، حيث ورد فيه ما يلى «أما وقـد انتهت الحرب الباردة بيـننا وبين الاتحاد السوفييتى، فإن مصادر التهديـد البـديلة خلال السنوات المقبلة، ستكون هى مصادر عـدم الاستقرار فى دول الأصولية الإسلامية والأنظمة السياسية الأخرى غير المستقرة»، حيث حرصت الولايات المتحدة على توطين الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية لتفتيت المنطقة العربية المكون الرئيسى لنسق الشرق الأوسط لإعادة هيكلته وتشكيله وفقاً لمنظورها.

وكما اعـتبرنا أن التقارب الأمريكى- الإيرانى، وسيطرة الجمهـوريـين على مجلسى الكونجرس من أبرز المتغـيـرات ذات التأثير المتبادل على النسقين، فإنه يمكن أيضاً اعـتبار تأجيج أزمة أوكرانيا، وافتعال أزمة تدنى أسعار البترول، وأزمة فرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد روسيا من المتغـيـرات ذات التأثير المتبادل على النسقين الإقليمى والدولى، ويخطئ من يظن أنه لا يوجد ارتباط مباشر بين هذه الأزمات الثلاث، فجميع تفاعلاتها موجهة ضد روسيا التى تمكنت من فرض إرادتها السياسية على تفاعلات الأزمات الثلاث، إذ يبدو لى أن زيارة الرئيس الفرنسى لموسكو ستكون هى البداية الحقيقية للتوصل إلى اتفاق سياسى شامل لوقف العنف والقتال شرق أوكرنيا من خلال مناقشة المحتوى الفكرى للمبادرة الفرنسية الألمانية التى توصل إليها الرئيس الفرنسى والمستشارة الألمانية مع القيادة الروسية، والتى أطلق عليها «مبادرة اللحظات الأخيرة لحماية الأمن الجماعى الأوروبى» والتى تمت مناقشتها مع الرئيس الأوكرانى ووصفها بأنها مبادرة تبث أملاً جديـداً لوقف إطلاق النار وعـودة الاستقرار من جديــد.

ولمواجهة التأثيرات السلبية لفرض العـقـوبات الاقتصاديـة، فإنه يمكن ملاحظة أن، وأن تكون المعاملات المالية بالعملتين المحليتين للدولتين أو ذهباً، حيث تمتلك منه الدولتان الكثير، الأمر الذى سيجعـل دور الدولار هامشياً بالنسبة للدولتين، كما تسعى روسيا إلى نشأة مصلحة لها صفة الاستمرار والـدوام مع الصين، وتكمن هذه المصلحة فى إنشاء خط سكة حديـد فائق السرعة بين بيكين وموسكو «حوالى 7000 كم يمكن أن يقطعها القطار فائق السرعة فى 30 ساعة ويتكلف حوالى250 مليار دولار» لتسهيل حركة التبادل التجارى بينهما ويُمثل الارتباط الاستراتيجى بعيد المدى بينهما.

أما المسار الثانى وهو الأهم، فهو رغـبة روسيا فى إحداث تحول جيواستراتيجى فى بنيان حلف الناتو، ففى زيارة بوتين الأخيرة لتركيا «ديسمير2014»، عرض على قادة العـثمانيين الجدد مشروعاً ربما سيُعـتبر مشروع القرن، أطلق عـليه Turk Streem، وتكمن فكرة هذا المشروع فى أن تكون تركيا هى الناقل الرئيسى للغاز الطبيعى لدول الاتحاد الأوروبى، إذ يُمكن لروسيا إنشاء خط أنابيب تحت مياه البحر الأسود لنقل الغاز من روسيا، مارا بمضيقى البسفور والدردنيل وصولا إلى الموانئ التركية «ميناء بورصة وميناء أزمير على حدود تركيا الغربية»، بقدرة نقل حوالى65 مليار متر مكعـب غاز / سنوياً، فهل يُمكن لتركيا أن ترفض مثل هذا المشروع العـملاق الذى سيعـزز مكانتها دولياً وإقليمياً، بل سيجعـل الدول الأوروبية هى التى تسعى وراء ضمها للاتحاد الأوروبى؟ أم سينفرد والى تركيا الجديـد بقرار الرفض سعـياً وراء إرضاء الولايات المتحدة لضمان بقائه وحماية مكتسباته وإعلاء مصلحته على مصلحة تركيا العـليا؟ أغلب الظن أنه سيفضل الخيار الثانى، لاهثاً وراء وهم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى الرافض دوماً انضمام تركيا إليه لأسباب هو يُدركها جيداً.. وللحديث بقية الأسبوع المقبل بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية- جامعة بورسعيد