رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيـرات الـدولـيـة والإقـلـيـمـيـة وتأثيرها فى المنظور الأمريكى «٢»


العالـم العـربى يعـيش فى منطقة تعـد من أكثـر المناطق أهمية، ومن أخـطـرها حساسية فى العالم، لاعـتـبارات استراتيجية عـديـدة، ويزيـد من أهميتها وحساسيتها أنها تحـتـوى على مصالح متعارضة ومتشابـكـة للقـوى العـظمى والكبـرى والكيانـات العملاقة التى نشأت على مر التاريخ.

شهد العالم العـربى فى تاريخه المعاصر كثيراً من المتغـيـرات التى تميزت بسرعة وكثافة وتراكم تفاعلاتها، لعل أيرز هذه المتغيرات تلك التى حدثت فى أعـقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة على وجه عام، والتى حدثت فى دول ما يسمى بالربيع العربى (دول الأصولية الإسلامية)، واستيطان الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية للمنطقة العربية على وجه خاص، وقد تعـمدت أن أبرز فى مستهل المقال مصطلحين الأول مصطلح العالم العـربى، والثانى مصطلح الأصولية الإسلامية، إذ يعـنى مفهوم العالم العربى أنـه مجمـوعة متناثـرة متنافــرة من الدول والشعـوب، وإن وجـد له مكانـاً فى عالم اليوم ـ عالم التوابع ـ فإنه لن يجـد له مكانـاً فى عالم الغـد عالم التكتلات والكيانات الكبيرة، ما لم يصبح أمة واحدة تحقيقاً لقول الحق تعالى «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعـبدون»، أو على الأقـل ما لم يؤمَن نفسه باستـراتـيـجـيــة عـربـيــة شاملة تستطيع أن تجابـه ما يحيق به من أخطار.

ويشير الواقع إلى أن العالـم العـربى يعـيش فى منطقة تعـد من أكثـر المناطق أهمية، ومن أخـطـرها حساسية فى العالم، لاعـتـبارات استراتيجية عـديـدة، ويزيـد من أهميتها وحساسيتها أنها تحـتـوى على مصالح متعارضة ومتشابـكـة للقـوى العـظمى والكبـرى والكيانـات العملاقة التى نشأت على مر التاريخ، حتى غـدت المنطـقـة وكأنها بـؤرة تركيـز، ومحـط أنظـار هـذه القـوى وتلك الكيانـات، وأصبحت مسرحاً لنشاطها وتفاعـلاتها، فكانت وما زالت تشكل حجر الزاوية فى بناء استراتيجيات القوى العالمية التى نشأت والتى قد تنشأ، فهى تحقق التفوق لمن يُسيطر عليها بحكم ثرواتها وموقعها الذى يُشكل قلب العالم، حتى أصبحت متغـيراتها تتداخل وتتفاعل مع المتغيرات الدولية والمتغـيرات الإقليمية فى منطقة الشرق الأوسط على حد سواء، وأصبحت تفاعلات المتغـيرات التى تحدث فى أى من هذه الأنساق الثلاثة ذات تأثير متبادل على النسقين الآخرين، هـكذا وجـد العالم العـربى نفسه طرفـاً وسـط تـفاعلات ونـشـاطات هـذه الكيانات كرهاً وطوعاً.

أما مصطلح ما يعـرف بالأصولية الإسلامية، فقد بدأ يتبلور كتهديد فى المنظور الأمريكى منذ عام 1988، إذ جاء فى تقرير لجنة التخطيط الاستراتـيجى لوزارة الخارجية الأمريكية لهذا العام ما يلـى: «أما وقـد انتهت الحرب الباردة بيـننا وبين الاتحاد السوفييتى، فإن مصادر التهديـد البـديلة خلال السنوات المقبلة، ستكون هى مصادر عـدم الاستقرار فى دول الأصولية الإسلامية والأنظمة السياسية الأخرى غير المستقرة، ولذلك فعلى حلف الناتو والغـرب أن يكونا مستعدين لمواجهة هذه المصادر الجديدة للتهـديـد».

والغـريب أن مصطلح الأصولية يرجع فى نشأته إلى بعض الحركات المسيحية، ففريق يُرجعها إلى أنها حركة بروستانتية تعـتقد أن الكتاب المقـدس معـصوم من الأخطاء، ليس فقط فى القضايا التى تتعـلق بالعـقـيـدة والأخلاق القويمة، بل أيضا تلك التى تتعـلق بقضايا الغـيب، كقضية الخلق، وولادة السيد المسيح وطبيعـته، وعودته آخر الزمان ليحكم العالم فى الألفية السعـيدة، وهو ما يتسق مع مفهوم الأصولية اليهودية بأن عـودة السيد المسيح تُعـد أساسا لإقامة ما يعـرف بـ «مملكة داود» فى فـلسطـيـن ليحكم هـذه المملكة لألـف سـنـة فـيـما يعـرف فى التعـالـيـم اليهـوديـة «بالعـصر الألفـى السعـيد»، أما الفريق الثانى فيرجعها إلى كونها حركة أرثوذوكسية قامت على أساس ليبرالى، وفريق ثالث عرفها فى (الموسوعة البريطانية والموسوعة الأمريكية) بأنها ترجع إلى حركة بروستانتية متشددة ظهرت إبان القرن التاسع عـشر، وقـد تناول الغـرب هذا المصطلح بصورة مشابهة لما تناوله فى المسيحية وأطلقته على الإسلام، وهو ما يخالف واقع الإسلام الحنيف السمح الذى يرتكز على ثوابت القرآن الكريم وأساسيات السنة الشريفة.

والآن بعـد هذا التقديم، وبعـد أن أوضحت مفهوم مصطلح «العالم العـربى»، لابد وأن تدور فى الأذهان الآن كثير من التساؤلات أبرزها، ما التحديات والمخاطر والتهديدات المؤكدة والمحتملـة ذات التأثير السياسى والاقتصادى والعسكرى والاجتماعى الموجهـة إلى «العالم العربى» دولياً وإقليمياً؟ وما المستـقـبـل الذى ينبغى أن يتطلع إليه «الوطن العـربى» إذا أراد أن يجد له مكاناً فى عالم الغـد؟ وكيف ومتى يمكن مواجهة هذه التحديات وتلك التهديدات الموجهة للوطن العربى؟.. هذا ما سنحاول الإجابة عنه تباعاً فى مقالات الأسابيع.. المقبلة بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد سابقاً