رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وداعًا "صقر العروبة".. إمام المسلمين الملك "عبد الله"

جريدة الدستور

سياسته ظلت هادئة رغم سخونة الأحداث، ومواقفه النبيلة جانب الدول العربية زادت من شعبيته وحب الشعوب له، عايش ثورات الربيع العربي كلها، فخلد التاريخ مواقفه معها، ومساندة مصر في أحلك المواقف كان مبدأه، ورفع شعار "من يمس أمن مصر الداخلي، فالعرب يتصدون له"، فأعلنت السعودية على لسانه منذ أن وطأ الإرهاب أرض مصر أنها مَلِكًا وشعبًا وحكومة تقف مع مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة.

عقد من الزمن كان فترة حكم الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، عاشت بلاده تلك الفترة تحت ظله في هدوء سياسي، رغم اشتعال المواقف في البلاد العربية، فلم يضع بالًا لقوى الغرب التي تحامل عليها لصالح إخوانه العرب، فلقبوه بإمام العرب والمسلمين.

"صقر العروبة".. هكذا لقبه الشعب السعودي الذي لم يخذله طوال فترة حكمه، فأصبح أسطورة لديهم انعكست على الشعوب العربية كلها، تحسب له القيادات الغربية والعالمية ألف حساب، فينتظرون ما ينتوي فعله، فأصبح مرجعًا عربيًا للأمة كلها.

وطوال فترة حكمه، كانت له مواقف متتابعة تساند مصر في فتراتها العصيبة، فكان دائم الدعوة لكل أطياف العرب إلى التصدي لكل من يحاول زعزعة أمن مصر، واصفًا قوى الغرب التي تتدخل في شؤون مصر بهدف إسقاطها أنهم "يوقدون الفتنة".

وفي كل خطاب له كان يهاب العرب للوقوف معًا ضد محاولات زعزعة أمن مصر، وضد كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء.

"مصر ستستعيد عافيتها"، هكذا كان يرد دومًا، متفائلًا أن مصر ستعود رائدة العرب كما كانت، مواقف نبيلة ومساندة شجاعة اتسم بهما الملك عبد العزيز، الذي نعته جميع الدول العربية، صباح الجمعة، في رحيل هادئ كعادته، فقد رحل ملك السعودية وظلت مواقفه خالدة على مدى التاريخ.

أما سوريا التي وقعت في براثن الإرهاب إبان فترة ثورتها، ظهر الملك عبد العزيز كفارس لا يهاب الغرب، وكان أول ملك عربي رفض إلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة داعمة الإرهاب في الشرق الأوسط، مبررًا ذلك بإحدى مواقفه التي لا تنسى بسبب عدم تحرك مجلس الأمن في الشأن السوري أو القضية الفلسطينية.

واعتذرت السعودية بقيادته عن قبول العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، لمدة عامين، اعتبارًا من بداية يناير 2014، اعتراضًا على سياسة مجلس الأمن في الشرق العربي.

لم تكن مصر وسوريا هما الوحيدتان التي أظهر فيهما عبد العزيز قوة ومثابرة، فإذا بالبحرين تتعرض لأزمة في 2011، ليكون أول من تحرك ليساندها داعمًا مبادئ السلام بها، وأرسلت السعودية باسمه قوات للحفاظ على الأمن الداخلي في البحرين، في مواجهة جديدة مع الإرهاب.

وكأنه أخذ عهدًا على نفسه لحماية دول العرب ومساندتها، ومحاربة كل ربوع الإرهاب بها، في اليمن، عُرف بالمبادرة الخليجية التي أطلقها، ساهم من خلالها الملك عبد الله إنهاء الأزمة، ليضع حدًا للرئيس اليمني "عبد الله صالح" كي يقف نزيف الدم في بلاده.

"اقطعوا رأس الأفعى"، كلمته التي رددها في وجه إيران التي اعتبرها أفعى تتوسط الدول العربية، قالها في وجه الولايات المتحدة الأمريكية رغم قوتها وبطشها، فحياة العرب أهم وأبقى لديه.

لم تطل يد الإرهاب بلاده جزاء لأفعاله المخلدة، فلم ينخدع الشعب بقوى الإرهاب التي ظهرت في الدول العرب تحت ستار الدين، فالملك الراحل كان دومًا معتزًا بدينه بقوله: "نعتز بديننا الحنيف وبشريعتنا المحكمة وقرآننا الخالد، وإننا نفتخر أن هذه الدولة إنما قامت على كلمة التوحيد وإعلائها وتطبيق شرع الله، عز وجل".

"نقسم أن نحمي العروبة، ولن ننسى خدمة الدين والوطن والشعب، يا دول العرب شعوبكم هي أهم شىء، العدل والإنصاف والحق، الحق هو الحق، وخدمة الدين لإنصاف الأوطان"، كلمات ومبادئ ومواقف إنسانية أقسم الملك عبد العزيز أن يعيش عليها، واضعًا الشعب السعودي في "عينيه" مثلما كان يردد دائمًا، والشعوب العربية في قلبه، مثلما عقد منذ توليه حكم البلاد.