رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة أوكرانيا أم أزمة الطاقة.. أيهما يقود العالم إلى حرب عالمية رابعة «4»


تناولت فى المقالات السابقة العلاقة بين أزمتى أوكرانيا وتدنى أسعار الطاقة اللتين افتعـلتهما الولايات المتحدة والغـرب لكى تحتفظ هى بمركـز الهـيمنة فى قلبها، وتمنع روسيا من استعادة نفوذ القـوة السوفييتية العـظمى، وتثنى الصين عن عـزمها لتتبوأ مكانتها فى المعادلة الدولية.

ذلك أن أحـد الاشتراطات الرئيسية لاحتفاظها بموقع الهيمنة هو عـدم قـيام قوة عالمية تستطيع استقطاب جزءٍ من دول العالم أو السيطرة على المنطقة العـربية التى تُمثل قلب العالم الذى يمنح التفوق لمن يسيطر عليه، وأوضحت أن الغاية النهائية لأى حرب هو إنزال هزيمة ساحقة بالخصم كالتى أنزلها المعـسكر الغـربى بالمعسكر الشرقى فى حرب «وجود» استحقت أن يطلق عليها الحرب العالمية الثالثة، فقد أنهت وجود الخصم اللدود وتركته أنقاض دول وبقايا شعـوب، واستقطبت معظم دول حلف وارسو وضمتها للاتحاد الأوروبى ولحلف الناتو، وانتهيت إلى طرح سؤالٍ فرض نفسه وهو هل يمكن لإحدى هاتين الأزمتين أو كلاهما أن يقودا العالم لحرب عالمية رابعة؟

وبداية أود أن أشير إلى أن أى حرب تتطلب بناء تحالفات وتحالفات مضادة، وقد يستطيع هذا التحالف أو ذاك أن يحقق التوازن الاستراتيجى مع الآخر، ولما كان حلف الناتو أصبح عـرضة للشكوك المتبادلة بين أعـضائه، إلاَ أنه ما زال قائما بالرغم من انسحاب فرنسا واختلاف تركيا مع الولايات المتحدة بسبب إصرار الأخيرة على إقامة الدولة الكردية على حدودها وهو ما يمثل تهديداً مباشراً لأمن تركيا، فانتهجت سلوكا سياسيا لا يتسق مع وضعـها كثانى عضو فى الحلف من حيث الحجم بعد الولايات المتحدة، فتعمدت عـدم المشاركة فى التحالف الدولى ضد داعش، ومنعت التحالف من استخدام قاعدتى «كورتشك» و«إنجرليك» القريبتين من سوريا والعـراق.

وبالرغم من ذلك فقد أدركت الصين وروسيا مدى خطورة التفكير الاستراتيجى للغـرب الذى يهدف إلى تطويـر وتعـظيم القدرات السياسية والعسكرية للحلف، كى يتمكن من استمرار تأدية دوره بشكل فعال لتحقيق الأمن المشترك لأعـضائه، فاتخذت الصين موقفا داعـما لروسيا ليس فقط فى أزمة أوكرانيا بل أيضا فى غـيـرها من القضايا، وقد وضعـت الصين ضمن حساباتها الإستراتيجية إعـتبارين رئيسيين، الأول هو أن القوة والمصالح هى التى تحكم السلوك السياسى للولايات المتحدة والغرب، حيث لم يلتزما بتعهداتهما بعـدم ضم دول شرق ووسط أوروبا إلى حلف الناتو، وهوما صرح به الأمين العام السابق للحلف عـشية المؤتمر الذى انعـقـد فى موسكوعام 1991للإعلان عن حل حلف وارسو «بأن حلف الناتو لن يتقدم خطوة واحدة أبعـد من حدوده القائمة فى ألمانيا الغـربية» وهو ما يُخالف الواقع، حيث قام بضم معـظم هذه الدول إلى الحلف ويسعى أيضا إلى ضم أوكرانيا وجورجيا لإحكام الحصار العسكرى على روسيا، والاعـتبار الثانى هـو ضرورة منع الولايات المتحدة من تحقيق هدفها المرحلى، وهو تفكيك الاتحاد الروسى ليلقى نفس مصير الاتحاد السوفييتى السابق ثم تتفرغ للانفراد بها.

ويشير الواقع إلى أن الصين استوعـبت درس القرن العـشرين الذى أدى إلى تفكيك وانهيار القوة العظمى والقطب الموازن فى النظام الدولى السابق ثنائى القطبية، ذلك الدرس الذى يمكن إيجازه فى أن قوة الدولة لا تـقاس فقط بالقـدرة العـسكرية، بـل إن القـدرة العسكرية ذاتها لا يُمكن الاحتفاظ بها فى وضع تأجج الـقـوة عـند تدنى عـناصر الـقـوة الأخرى، وأن الاهتمام بالقـوة العسكرية وحدها هو الذى أدى إلى تخلف الاتحاد السوفييتى عـن ركب الثورة الصناعـية والتقدم فأصبح عاجزا عـن تـحـقـيـق التوازن الاستراتيجى الحـقـيـقى مع الولايات المتحدة، وعاجزا أيضا عن تحقيق الرفاهـية لشعبه مقارنة بالآخرين، فانفرط عـقـده وسقـطت الأيـديـولوجية التى جاء ليـبـشـر بها لتحقيق الرفاهية للبشرية.

ونتيجة لهذا الدرس تمكنت الصين من بناء استراتيجية شاملة لتنمية قدراتها الذاتية حتى تتبوأ مكانة تليق بها فى المعادلة الدولية، فقد استخدمت الصين قدرتها السياسية المتأججة وفرضت إرادتها على الولايات المتحدة فى موقفين متتاليين فى مؤتمر القمم الاقتصادية الآسيوية، الأول عندما أعـلن رئيس وزراء الصين فى المؤتمر الصحفى المشترك أن الصين لن تسمح للولايات المتحدة أو لغـيرها بالتدخل فى شأنها الداخلى، أو فى شأن أى دولة فى المنطقة، فالقضايا المتعـلقة بالمنطقة شأن صينى خالص، لذلك يتعـين على جميع القوى عـدم التدخل فى أحداث هونج كونج، بينما جاء رد الرئيس الأمريكى متراخيا بأن الولايات المتحدة غير متورطة فى احتجاجات هونج كونج، أما الموقف الثانى فتمثل فى رفض دول مؤتمر القمم الاقتصادية للمشروع الأمريكى باستبعـاد روسيا والصين، والموافقة على المشروع الصينى باستبعاد الولايات المتحدة وضم روسيا والصين لتفعيل التعاون الاقتصادى بينها، وفى الأسبوع المقبل نتناول عناصر القوة الأخرى للصين بإذن الله.

أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد