رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من آثار «شارلى إبدو» المتوقعة


النفس السليمة تكون مع الصواب دائماً، وإن لم تحققه أحياناً، وليس هناك صاحب نفس سليمة إلا وقد شعر بالحزن والأسى مرتين فى هذا الحادث الأليم. مرة بسبب الرسوم المسيئة والكاريكاتور المسيئة، للنبى محمد - صلى الله عليه وسلم – وهو السراج المنير- ومرة ثانية بسبب ردود الأفعال المتعددة من القتل والانتقام والإصرار على ارتكاب الإساءات، وتكرار إبراز الرسوم والكاريكاتور الجديد، لعدم أو ضعف تقدير المسئولية، وكأن هناك من يقول.
سأفعل ما أريد مهما كانت النتائج سيئة، ومهما كان وقعها سيئاً على نفسى وأهلى فضلاً عن أعدائى.

شغل هذا الحادث الأليم الدنيا كلها، وكان نذير شؤم، لأن كل نتائجه سيئة ولن يستفيد منها إلا أطراف محدودة فى مقدمتها الحركة الصهيونية عموماً ومقدمتها إسرائيل خصوصاً، ومن ثم كان إصرار نتنياهو على حضور الاحتفالية المليونية فى فرنسا ودعوته إلى هجرة اليهود الفرنسيين إلى «وطنهم» إسرائيل، على الرغم من ضعف الترحيب بحضوره.

من باب معرفتى بالغرب - على القدر الذى أعرفه – فإننى أتوقع آثاراً ونتائج لهذا الحادث المشؤوم غير التى ظهرت حتى اليوم، ويمكننى تلخيص تلك الآثار المتوقعة فى تفعيل استراتيجيات مواجهة الإرهاب كاملة، وخصوصا القوانين التى سنًّها الغرب بعد أحداث سبتمبر 2001، وعمل قوانين جديدة أو تعديل ما هو قائم منها لتناسب الظروف المعاصرة، وهذا جزء من عقلية الغرب التطويرية فى كل شىء.ومن الآثار المتوقعة، تضييق الخناق على الهجرة والزيارة من معظم الدول الإسلامية وخصوصاً العربية إلى الغرب، سواء أكانت هجرة أو زيارة شرعية أو غير شرعية. ومن تلك الآثار إعتداءات ملموسة «مادية» على المسلمين فى بعض البلدان وعلى مؤسساتهم بما فى ذلك المساجد من قبل بعض العنصريين والقوميين الذين لا يرون أى مجال «للأجانب» ولاذرياتهم الذين ولدوا فى البلاد الغربية للاستمرار فيها، ولا يهمهم أين يذهبون وليس لهم بلاد أخرى يذهبون إليها.

يوجد فى البلاد الأوروبية والغربية عموماً حركات بعضها ناشئ حديثاً لمناهضة الإسلام، وهم الذين وراء ظهور ما يعرف بالإسلاموفبيا. سيقوم هؤلاء بمظاهرات ضد المسلمين، والهجوم على بعضهم، خصوصاً النساء فى الشوارع، وإرسال رسائل تهديد للمسلمين.

أمريكا رغم عدم سفر أوباما إلى المليونية الداعمة لفرنسا وشارلى إبدو، التى نشرت الرسوم المسيئة والكاريكاتير السيئ، تدعم حقهم فى النشر لأنه جزء من الحرية فى مفهومهم، وفى بريطانيا وغيرها تستطيع أن تسخر من كل شىء بما فى ذلك الخالق، سبحانه وتعالى، عما يقولون علواً كبيراً. ولكن البريطانين على سبيل المثال – لا يحق لهم أن يسخروا من الأسرة المالكة البريطانية وهى أسرة تملك ولا تحكم. لأن الأحزاب هى التى تحكم إما منفردة أو عبر تحالفات.برزت ميركل فى ألمانيا أعقل الجميع، رغم أنها من أشد حلفاء إسرائيل، وقد يكون ذلك الموقف رداً على من يزعمون أن المرأة ناقصة عقل ودين، وينسبون ذلك إلى الإسلام، وكأنه جزء من العبادة أو العقيدة للبقاء مسلماً. أكدت ميركل أمام البوندستاج «البرلمان» أن المسلمين فى ألمانيا شأنهم شأن المسيحيين واليهود، هذه بلدهم، ولكن عليهم توضيح صورة الإسلام الوسطية السلمية، وأن يتبرأوا من الإرهاب، وأن الإسلام جزء من ألمانيا شأنهم شأن المسيحية واليهودية.لم تقف ميركل عند ذلك، بل فعلت أكثر مما تعهدت به، وشاركت فى مظاهرة ألفية فى برلين نظمها المسلمون للتنديد بالإسلاموفوبيا والرد على الحركات المناهضة للمسلمين. وكانت لفتة جميلة من المسلمين الذين شاركوا فى هذه المظاهرة أن يقفوا دقيقة صمتاً وحداداً أى حزناً، على ضحايا الحادث، وأن يضعوا باقة زهور أمام مقر السفارة الفرنسية. الغرب يقدر هذا كثيراً.

هل ينتهى العنف والتطرف ؟ وهل تنجح الثورة التصحيحية التى أشار إليها الرئيس السيسى فى خطابه فى ذكرى المولد؟الأمر خطير ويحتاج استراتيجية كاملة معاصرة، بعيداً عن الحلول الانفعالية النمطية وأقترح أن ترسل المجالس والمؤسسات المعنية بشئون المرأة فى العالم العربى والإسلامى، رسائل تشجيع إلى ميركل تقديراً لموقفها العظيم. ولعل الأزهر أيضاً يفعل ذلك فيعلمون أننا أحياء.. والله الموفق