رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تشخيص أمراض الإعلام المصرى «١-٢»


فى المقال السابق دقينا ناقوس الخطر بشأن ضرورة تجديد الخطاب الدينى فى مواجهة عملية تغييب الوعى التى يمارسها البعض لاسيما فى بعض قنوات الإعلام من خلال التعاطى مع موضوعات هدفها الإثارة وشد المتلقى إلى أفكار غريبة ولا يخرج منها سوى بالبلبلة الفكرية والإلهاء عن مشكلات حياته اليومية، وسنحاول فى هذه الدراسة التى نعرض جزءها الأول اليوم إلقاء الضوء على بعض الأسباب التى تساعد على تكريس حالة التردى الإعلامى فى محاولة لتشخيص واقعى لأمراض الآداء على الساحة الإعلامية ومن بينها أن مهنة الإعلام أصبحت اليوم مهنة من لا مهنة له نتيجة عدم وجود ضوابط لممارسة المهنة.

ونوضح على سبيل المثال لا الحصر أن مبنى ماسبيرو فى سابق العهد أو دعونا نقول فى أيام الرواد الذين تعلمنا الإعلام على أيديهم أمثال أحمد سعيد أمين ونوال سرى وعثمان العدل وأحمد سمير وزينب الحكيم وسمير التونى وغيرهم من أساتذه الإعلام.

وكانت هناك معايير لدخول هذا المبنى تحرص هذه القامات على تنفيذها ولم تكن الواسطة أو المحسوبية طريق النجومية، كانت الإجادة والموهبة جواز المرور للعمل الإعلامى سواء كنت مذيعًا أو مراسلاً أو محررًا أو مترجمًا أو مخرجًا ولم يكن الظهور على الشاشة بالسهولة الموجودة اليوم، كان لابد للمذيع المبتدئ أن يتدرب حتى يجيد فنون التقديم والارتجال والحوار ويتعلم التحرير الإخبارى وكتابة النص التليفزيونى حتى ولو استغرق هذا التدريب سنوات، ويؤسفنى القول إن الأجيال الجديدة مستعجلة فى كل شىء لدرجة أن ظهورهم على الشاشة والوقوف أمام الميكروفون يأتى بشكل سريع جدًا بلا نضج، ويحدث تمرير لكثيرين لديهم من العيوب فى الصوت والصورة والأداء بل يفتقد البعض منهم لأهم شرط فى الظهور الإعلامى وهو الشخصية أو بلغة الإعلام المصداقية أو القبول وباختصار نعرفها بأنها العلاقة «الودودة» المباشرة بين المذيع والكاميرا أو الميكرفون وهى علاقة ربانية يولد بها الإنسان وتكبر معة ولا تكتسب بالخبرة أو حتى بالتدريب إلا فيما ندر.

سبب آخر لتردى الإعلام زيادة عدد القنوات التليفزيونية سواء فى الإعلام الرسمى أو الإعلام الخاص ما أدى إلى سيطرة الكم على الكيف، حيث تراجعت معايير الاختيار الموضوعى لأطراف المنتج الإعلامى وتسرب إلى هذه القنوات من قلت عنهم من لامهنة لهم من باب الواسطة أو « الفهلوة « على اعتبار أن الإعلام من وجهة نظرهم هو نوع من الفهلوة إذا جاز التعبير.

ومن باب انتقادنا لسيطرة الكم نشير إلى اتساع وجود كليات ومعاهد الإعلام وأقسام الإعلام بكليات الآداب بالجامعات الحكومية والخاصة، الأمر الذى أدى إلى تخريج اعداد كبيرة من دارسى الإعلام النظرى دون التعمق فى الدراسة التطبيقية، ولم تستطع النوافذ الإعلامية التقليدية أو نوافذ الإعلام الجديد أو الإعلام الإليكترونى أن تستوعب كل هؤلاء الخريجين لان هناك سببًا آخر هو المزاحمة من قبل التخصصات غير الإعلامية فى سوق الإعلام وربما بعض هذه التخصصات قد أتت أكلها أكثر من تخصص الإعلام.

واعتقد أن مراجعة فكرة سيطرة الكم والاهتمام بالكيف ستساعد على استرداد عافية الإعلام المصرى الذى يعانى من حالة التوسع الأفقى الكمى دون الاهتمام بالعمق وتطوير المحتوى!

غير أن كثيرًا من القنوات الفضائية تحت ضغط آليات السوق تحولت إلى شبكات تسيطر عليها اعتبارات الفكر الرأسمالى من منطلق أن الإعلام أصبح صناعة واستثمارًا وتلك حقيقة لانستطيع إنكارها لكن لا يجب إهمال الجانب المتعلق بالتطوير البرامجى ويعتبر الإرتقاء بجودة أداء العنصر البشرى أحد أهم محاوره وليس البحث فقط عن الأسماء اللامعة فى بورصة مقدمى التوك شو كما نرى اليوم فى كثير من القنوات الفضائية الخاصة.

إعلامى وكاتب مستقل