رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كل الحق ولا شىء غير الحق!


الحقيقة أن زراعة القطن فى مصر ازدهرت حينما كانت مصانع مانشيستر البريطانية تعتمد على القطن المصرى، وأن زراعة القطن قد عانت كساداً فى أعقاب الحرب العالمية الأولى التى انتهت عام 1918م.
عادة ما يعجبنى بعض مقدمى البرامج التليفزيونية حيث أشعر بإخلاصهم فى تقديم برامجهم، وحماسهم من أجل القضايا التى يقدمونها ويدافعون عنها، وإذا كان الإخلاص والحماسة ميزتين يتسم بهما مقدم البرنامج، فإن هذا الإخلاص وهذه الحماسة يجب أن تدفعاهم إلى أكبر قدر من الدقة والموضوعية فى تقديم برامجهم حتى يأتى الإخلاص والحماسة فى أماكنهما الصحيحة. وأتذكر فى هذا المجال كل من العزيزين جابر القرموطى فى تقديمه لبرنامجه الشهير «مانشيت»، كما أنى شاهدت بعضا وسمعت البعض الآخر من برنامج للسيد خالد صلاح على قناة «النهار»، واتسم كل منهما بحماس شديد، الأول تبنى قضية القطن المصرى، بينما ركز الثانى على الحكم المحلى والمحافظين، وإن كان خص بالذكر الوزير عادل لبيب- وزير الحكم المحلى- وقد لاحظت أنهما فى عرضهما لقضاياهما أن هناك جزءا من الحقيقة غائبا، ولذا تذكرت ما تناقلناه من القضاء البريطانى فى يمين الشهود: «أن أقول الحق، كل الحق، ولا شىء غير الحق»، وعادة ما أفكر فأقول أن قول الحق مطلوب، لكن هل يمكن قول «كل الحق»؟ وهل هناك من سيعطى الفرصة لقول كل الحقيقة إذا أراد أن يقوله؟ وما حدود هذا الكل حيث القضايا مرتبطة ببعضها، وهنا يأتى الجزء الثانى حيث لا شىء غير الحق، فهذا مرتبط بحدود «كل الحق».

بالنسبة لقضية القطن التى أثارها السيد جابر القرموطى، يغيب عنه وعن حديثه أن القطن المصرى يعانى فى السنين الأخيرة من ندرة الطلب على عكس ما كان، وما يقوله الكثيرون عن القطن أيام زمان، وكيف أن الفلاح كان ينتظر موسم القطن ليقضى حاجاته من شراء ملابس وتجهيز البنات وغيرها، والسبب أن التقدم التكنولوجى مكن المصانع من الترقى بصناعة القطن بحيث أصبحت تستطيع أن تخرج بالقطن قصير التيلة غير المصرى بكفاءة أقرب إلى ما كانت تسعى إليه عن طريق القطن طويل التيلة المصرى، وأصبح القطن المصرى مكدسا ًفى المخازن لا يجد من يشتريه حيث أصبحت تكلفته أكبر من تكلفة استيراد نظيره الأجنبى، ولم يعد المشترى الأجنبى يبحث عن القطن «السكلاريديس» و«الجيزة 7»، وقد قامت الحكومة خلال السنين القليلة الماضية بتعويض الفلاح بشراء القطن وفشلت فى بيعه وتسويقه، وأصبح تكرار ذلك سنوياً يشكل خسارة على مصر سواء على الحكومة أو على الفلاح، فهل مطلوب استمرار الخسارة لمجرد الحفاظ على القطن طويل التيلة؟ لاشك أن هذه مشكلة، ولكن الاستمرار فى زراعة القطن دون تخفيض تكلفته يعنى مزيداً من الخسارة فى مصر وبغض النظر عمن سيتحمل هذه الخسارة، وأعتقد أن علماءنا مطالبون بإيجاد حل علمى لقضية القطن المصرى.والحقيقة أن زراعة القطن فى مصر ازدهرت حينما كانت مصانع مانشيستر البريطانية تعتمد على القطن المصرى، وأن زراعة القطن قد عانت كساداً فى أعقاب الحرب العالمية الأولى التى انتهت عام 1918م. أماالقول إننا سننتقل إلى زراعة الفراولة والكنتالوب فهذا غير صحيح وفيه كثير من الإثارة، فمصر تتحول إلى زراعة القمح لتنتج جزءاً معقولاً من استهلاكها له، ولو أنه كان من الممكن أن نعتمد على أنفسنا فى إنتاج القمح لفعلنا، كما أننا نتجه إلى زراعة احتياجنا من الذرة الصفراء، هذا بالإضافة إلى زراعة الأرز وهى حاجة شديدة لمصر، المهم أن ما قاله الأخ الكريم والمتحمس جابر القرموطى ينقصه بعض الحقيقة، وهنا أتذكر قول «الحق، كل الحق، ولاشىء غير الحق»!الأخ خالد صلاح فى قناة «النهار» يُحَمِّل الوزير عادل لبيب مسئولية فشل بعض المحافظين من وجهة نظره، وأنا هنا لا أدافع عن الوزير، ولكنى أتساءل عما إذا كان السيد مقدم البرنامج يعرف على وجه الدقة العلاقة بين وزير الحكم المحلى والمحافظ، فالمؤكد أن المحافظ ليس تابعاً لوزير الحكم المحلى، وأنه فى وقت سابق قال الرئيس الأسبق أنور السادات إن للمحافظ سلطة رئيس الجمهورية فى محافظته، المهم أن المحافظ ليس مرءوسا للوزير وليس مطلوباً منه أن يقابل كل من يطلب مقابلته، وإلا ما فعل شيئاً غير ذلك، وأن المحافظ يعمل بواسطة أجهزة المحافظة، وأننا يجب أن نقلل من الاعتماد على الفرد وننتقل إلى التعامل مع المؤسسات، أما وزير الحكم المحلى فعلاقته بالمحافظ علاقة بين متساويين، وترشيح أو محاسبة المحافظ من مسئولية عديد من الأجهزة على رأسها مجلس الوزراء والأجهزة الرقابية وأخيرا قرار رئيس الجمهورية.. يبقى أنه ما زلنا لم نقل «كل الحق»!

خبير سياسى وعسكرى