رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا حليف ولا عدو.. إذن ماذا؟


رغم الاعتراف بأنه ليست هناك معاهدة أو اتفاقية تحالف تجمع مصر والولايات المتحدة، يجب أن نسأل: بماذا نفسر مشاركة مصر فى حرب ما سمى «حرب تحرير الكويت» تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية؟

لا شك أن معالجة العلاقات المصرية الأمريكية من أهم القضايا التى تقابل مصر الآن، وبغض النظر عمن يفكر فيها، فالقضية هنا ليست قضية رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية، أو وزير الدفاع ورئيس الأركان، أو رئيس المخابرات العامة، فمصر كلها تواجه تحديد علاقتنا بالولايات المتحدة، خاصة بعد أن عبر الرئيس الأمريكى باراك أوباما عن العلاقات مع مصر بأن قال «إن مصر ليست حليفاً ولا عدواً»، وكان ذلك على أثر الأحداث من الاحتجاجات التى ثارت حول سفارة الولايات المتحدة الأمريكية فى القاهرة بعدما نشر عن فيلم جرى تصويره فى الولايات المتحدة يسىء إلى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد قتل السفير الأمريكى فى قنصلية الولايات المتحدة فى بنغازى فى ليبيا حول نفس الموضوعات، ثم هناك قرار الكونجرس الأمريكى بحجب المعونة الأمريكية لمصر بمقدار 450 مليون دولار.

لا شك أن الولايات المتحدة بالنسبة للشعوب العربية ليست صديقا، ويعتبرها كثيرون عدواً، خاصة مع تأييدها المطلق وغير المشروط للكيان الصهيونى واحتلاله لفلسطين، ولكن الولايات المتحدة قد أنشأت علاقات خاصة مع مصر، وقدمت مساعدات اقتصادية وعسكرية لمصر بما أدى إلى اعتماد بعض الجهات والقطاعات المصرية بما فيها العسكرية على الولايات المتحدة فى نشاطها، وأصبح التوتر فى العلاقات المصرية الأمريكية ذا أثر سلبى فى هذه القطاعات، وإذا كان من الطبيعى أن تؤثر العلاقات السياسية فى العلاقات الاقتصادية بين بلدين، فإن هذا التأثير يصبح شديداً إذا كان أحد الطرفين يعتمد فى شئونه الحيوية على الطرف الآخر، كما أن هذا التأثير يكون أكثر شدة إذا كان الطرف الآخر هو الولايات المتحدة الأمريكية التى يمثل اقتصادها النسبة الأكبر من اقتصاد العالم رغم ما تعانيه من الأزمة المالية، ورغم تراجع وضعها الاقتصادى بالنسبة لتقدم الصين النسبى، فقد ظلت الولايات المتحدة على رأس القائمة، وإن تقلص الفارق بينها وبين التالى فى القائمة.

يؤدى الموقف السابق إلى وضع معقد لصانع القرار المصرى، حيث إن الاستجابة للشعور الشعبى السائد والذى اعتبره جارفاً تؤدى إلى نتائج خطيرة خاصة أن الغالبية العظمى من القطاع العام الذى كان يمكن للحكومة المصرية أن تعتمد عليه فى مواجهة الأزمات، هذه الغالبية قد تمت خصخصتها، وبذلك انخفضت درجة اعتمادنا على أنفسنا، وعلى قدرتنا على مقاومة الضغوط، خاصة أنه لا يمكن توقع مزيد من تحمل المواطن للأزمات ونتائجها، فرغم الغضب الشعبى على الولايات المتحدة الأمريكية فإن غالبية الشعب لا يمتنع عن شراء المنتجات الأمريكية، ربما لأنه لا يجد البديل المحلى الصنع، أو من الخارج بعيداً عن الولايات المتحدة وحلفائها، حيث يستجيب حلفاؤها لطلباتها.

رغم ذلك فإنى أندهش نوعاً ما من تعبير الرئيس باراك أوباما حينما تحدث عن أن مصر ليست حليفاً ولا عدواً، فرغم الاعتراف بأنه ليست هناك معاهدة أو اتفاقية تحالف تجمع مصر والولايات المتحدة، يجب أن نسأل: بماذا نفسر مشاركة مصر فى حرب ما سمى «حرب تحرير الكويت» تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية؟ وكيف يفسر الرئيس باراك أوباما أن مصر ظلت جزءا مما عرف بمحور الاعتدال فى المنطقة، وتجتمع وزيرة الخارجية السابقة برؤساء مخابراتها؟ وكيف يفسر الرئيس الأمريكى تنفيذ تدريبات مشتركة بين قوات مصرية وقوات من الولايات المتحدة الأمريكية سواء المشتركة منها المسماة « النجم الساطع»، وأخرى بحرية باسم «رياح البحر» وغيرها كثير؟ وهل تجرى التدريبات المشتركة لرغبة أى طرف منهما فى تحسين مستوى تدريب الطرف الآخر؟ وما هى طبيعة العلاقات التى تعبر عنها هذه التدريبات؟ وأخيراً، ما موقف ما يسمى بالقواعد العسكرية الأمريكية فى مصر والتى تنشرها المصادر الأجنبية، والأمريكية على وجه الخصوص، والمرتبطة أساساً إما بالمناورات المشتركة التى تجرى بين الطرفين وإما بالقوة متعددة الجنسيات فى سيناء، وألا يوفر ذلك صورة من صور التحالف بين البلدين؟

أخيرا، يبدو أن الرئيس باراك أوباما يتجاهل أن مصر منذ عام 1995 عضو فى برنامج «حوار المتوسط» التابع لحلف شمال الأطلسى، وأن هذا البرنامج يهدف، فى نهاية ما يهدف، إلى إعداد قوات البلد للمشاركة فى عمليات يقودها حلف شمال الأطلسى بما يسمى «interoperability»، وللحق فإن مدى مشاركة مصر فى اجتماعات ونشاطات هذا البرنامج تكاد تكون صفرا، صحيح أن الولايات المتحدة ابتكرت تسمية جديدة يمكن ترجمتها باسم الشراكة «partnership» لكن هذه التسمية يصعب التعبير عنها فى مثل هذه الظروف بغير التحالف، وقد كان أحد السادة السفراء قد أشار إلى أن مصر تعتبر فى القاموس الأمريكى حليفا من خارج حلف شمال الأطلسى «non-nato ally»، ولا أظن التعبير دقيقا، والغالب أن مصر وفقا للوضع الحالى حليف ذو وضع خاص، فالعلاقة أكبر من علاقة الولايات المتحدة بإثيوبيا وجنوب السودان، وأقل من علاقتها مع إسرائيل ومع أستراليا ومع نيوزيلندا، هناك علاقات تعاون ولكنها لا تصل إلى المناورات المشتركة، وهنا علاقة تربطها اتفاقيات تنظمها، أو مشاركة فى حلف كما هو الحال فى حلف «الأنزوس».

يشير ما سبق إلى صعوبة تحديد المسار فى العلاقات المصرية الأمريكية، فالمؤكد أنه لا يمكن إجراء تغيير جذرى وسريع فى العلاقات المصرية الأمريكية لتتجاوب مع مشاعر الغالبية العظمى من الشعب، والتى ترى فى الولايات المتحدة عدواً سافراً، نظراً للآثار الخطيرة التى يمكن أن يؤدى إليها، كما أنه لا يمكن استمرار الوضع الحالى لتناقضه مع المشاعر الشعبية، بل ومع المصالح الاستراتيجية، على المدى البعيد، ولخطورة كل ما سبق على الأمن القومى لمصر. هل نتصور مثلاً أن تنسحب مصر الآن من برنامج حوار المتوسط؟ وهل يمكن أن نوقف إجراء المناورات المشتركة مع الولايات المتحدة فوراً، صحيح يمكن الاعتذار وطلب التأجيل، ولكن المطلوب إيجاد البديل التجارى والعسكرى والانتقال من الاعتماد الأحادى على الولايات المتحدة وحلفائها، إلى اعتماد متنوع يوفر بديلاً على نفس مستوى الكفاءة أو أقرب منها، وبحيث نجد أنفسنا خلال فترة رئاسية أو تشريعية قادرين على تحمل الضغوط والاعتماد على أنفسنا وعلى أصدقائنا. ولا شك أن هذا يتطلب أولا تجميد أو اختصار المشاركة فى برامج الأطلسى وإعادة لم الصفوف العربية التى تشرذمت تحت شعارات الربيع العربى وغيرها، وهو واجب ومهمة ملحة وفى منتهى الصعوبة فى الظروف الحالية، وعلينا أن نتوقف عن البحث عما يضعف من قدرتنا على التأثير فى مواقف الغير، والبعد عن متابعة صغار اللاعبين الدوليين والعرب، والعمل على تحقيق طفرة فى مجال الصناعة والتكنولوجيا لتحقيق درجة معقولة من الاعتماد على النفس والاكتفاء الذاتى، لكن فى النهاية هناك حاجة إلى التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية بدرجة من الندية تسمح باتخاذ القرار المناسب دون افتعال أزمات جديدة!

■ خبير استراتيجى