رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل أمن المياه فى مصر


من الحكمة لمصر أن تبدأ الآن وفوراً فى البحث عن استراتيجيات مستقبلية لسد عجز النقص المائى المتنامى حفاظاً على حق الأجيال القادمة وحماية لنهر النيل من الجفاف أو لتحوله إلى مجرد ترعة يجرى بها ماء مقنن.

مع تعدادنا الحالى البالغ 90 مليون نسمة يلزمهم 90 مليار متر مكعب من المياه سنوياً ليعيشوا فوق حد الشح المائى لا يتوافر منها إلا نحو 60 ملياراً بعجز نحو 30 مليار م3 وبنصيب للفرد 688 م3 فى السنة. يرتفع عدد السكان فى مصر عام2050 إلى 135 مليون نسمة يلزمهم 135 مليار متر مكعب من المياه، ووقتها سينخفض نصيب المصرى من المياه ليصبح 460 م3 فى السنة لندخل فى دائرة الشح المائى الشديد لكل من يقل نصيبه عن 500 م3 فى السنة، ويرتفع العجز المصرى من المياه العذبة إلى 75 مليار متر مكعب فى السنة!.

مشكلة نهر النيل تكمن فى كونه نهراً بلا مياه على الرغم من كونه النهر الأطول فى العالم إلا أن تصرفه السنوى أى ما يجرى بين ضفتيه من المياه ويصل إلى دولة المصب لا يتجاوز 84 مليار م3 سنوياً، بينما يضم فى حوضه 11 دولة يبلغ عدد سكانهم 437 مليون نسمة طبقاً لإحصاء عام 2012 الذى أوردته مفوضيةحوض النيل فى تقريرها الصادر هذا العام. هذا العدد من السكان يلزمهم 437 مليار م3 سنوياً ليعيش كل فرد منهم أعلى من حد الندرة العالمي، أو حتى نصف هذا الرقم أى 218 ملياراً ليعيش فوق حد الشح الشديد فوق مستوى 500 م3 فى السنة، وهو مالم ولن يتوافر فى نهر النيل أبداً مهما استقطبنا من مياه مستنقعاته أو روضنا مياه أمطاره وبالتالى فهو النهر المرشح لكى تخوض دوله دون غيرها لحروب المياه فى المستقبل.

جميع الافتراضات السابقة بنيت على أساس أن تبقى حصة مصر من مياه النيل عند معدلاتها الحالية بمعدل 55.5 مليار م3 سنوياً دون نقصان، فلا أحد فى مصر يستطيع فى ظل ماسبق أن يضحى بأى كمية من حصة المياه التى تعودنا على استلامها عبر آلاف السنين مع تقديرنا لحاجة دول المنابع خاصة إثيوبيا لبناء سدود لتوليد الكهرباء وهو ما نوافق عليه بينما لا نوافق مطلقاً على بناء سدود ضخمة تبدو وكأنها لتوليد الكهرباء بينما هى فى حقيقة الأمر لتخزين المياه تحسباً لحقيقة «أن مياه اليوم هى بترول الغد»، وأن عصر تجارة المياه قادم لا محالة.

من الحكمة لمصر أن تبدأ الآن وفوراً فى البحث عن استراتيجيات مستقبلية لسد عجز النقص المائى المتنامى حفاظاً على حق الأجيال القادمة وحماية لنهر النيل من الجفاف أو لتحوله إلى مجرد ترعة يجرى بها ماء مقنن طبقاً لما تسمح به إثيوبيا ووفقاً لما تحتاجه من توليد الكهرباء سواء للتصدير أو للاستهلاك المحلى، وبالتالى فسوف يصبح لنهر النيل مالك وحيد وحصرى يغلق الصنبور ويفتحه وقتما يريد أو يكون علينا أن ندفع من أجل أن نحصل على المياه.

وسط كل هذه الظلمات المستقبلية والتى تعودت أن أخوض فيها سابقاً الزمن وحتى يأتى المستقبل فيجدنا وقد استعددنا لاستقباله جيدا، فقد قمنا بدراسة لاحتياجات جميع المدن الساحلية الشمالية على البحر المتوسط بدءاً من السلوم ومرسى مطروح والإسكندرية وصولاً إلى العريش ورفح ثم هبوطاً على قناة السويس والبحر الأحمر للمرور على بورسعيد والإسماعيلية والسويس والتى لا بد لمصر أن تخطط لها لبناء ما يتراوح بين 17 – 20 محطة تحلية لمياه البحر حتى يشرب أهالى هذه السواحل منها ومعها المصانع والفنادق توفيراً لقدر من مياه النيل لكى يوجه للزراعة حتى يظل الغذاء رخيصاً، لأن تكاليف التحلية حتى الآن لا تقل عن 3 جنيهات للمتر المكعب الواحد وفدان الأرض الزراعية يستلزم خمسة آلاف م3 فى السنة ولا نستطيع أن نطالب الفلاح بسداد 15 ألف جنيه ثمناً لرى فدانه سنوياً، بينما يمكن مستقبلاً بيع المياه للمنازل بأربعة جنيهات وللمصانع بعشرة (العائد من متر المياه فى المصانع 50 جنيهاً وفى الفنادق 500 جنيه)، وفى جميع الأحوال لن تزيد ماتوفره جميع محطات التحلية هذه من مياه عذبة عن 3 – 4 مليارات م3 سنوياً أسوة بما يتم فى المملكة العربية السعودية بقدراتها البترولية الكبيرة، بالإضافة إلى ما تحتاجه عملية التحلية من طاقة كهربية كبيرة سواء شمسية أو بالوقود وهما مكلفان ثم تكاليف دفن النفايات الملحية فى أعماق الصحاري.

لا أريد أن تظهر الصورة قاتمة لمستقبل الأمن المائى فى مصر، ولكن هل خبراء مصر وعلماؤها مستعدون لبحث الأمر والتوصية بالبديل المناسب الذى يمكن أن يوفر لمصر 30 ملياراً حالياً، 70 مليار م3 سنوياً من المياه العذبة فى عام 2050؟! وهل هناك بديل لوصلة نهر الكونغو؟!

كلية الزراعة - جامعة القاهرة