رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العشوائيات تمثل مشكلة مزمنة ومركبة فى مصر «1-2»


إن «العشوائيات تمثل مشكلة مزمنة ومركبة فى مصر، على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية». فعلى المستوى الاجتماعى، تتسبب العشوائيات فى نشأة مجتمعات غير متحضرة، تسودها سلوكيات اجتماعية مريضة وخطيرة، تهدد استقرار نمط الأسرة الممتدة والمجتمع بأسره، ومن أهمها عدم احترام خصوصية الجيران وانتهاك حرماتهم من مال ونفس وعرض ودين.
والتعدى على أملاك الجيران والاستيلاء عليها، وانتشار وتفشى الأمراض الاجتماعية، مثل السرقة المنظمة، وتعاطى المخدرات والمسكرات بأنواعها، والبلطجة والعنف المتبادل، وزنا المحارم، ...الخ. وترتفع فى تلك البيئة معدلات الأمية والجهل، وتنخفض معدلات البقاء على الحياة. وعلى المستوى الاقتصادى، تنهض العشوائيات على أساس مهن هامشية وعارضة، شرعية وغير شرعية، ومنها الاتجار فى المخدرات والأطفال، وتجارة الخضار والفاكهة -وما شاكلها- المتنقلة بين أحياء المدينة المجاورة والتى ترقد العشوائيات على أطرافها أو فى قلبها، وخدمة البيوت من جانب السيدات وبناتهن. وتنتشر فى تلك البيئة ظاهرة عمالة الأطفال، وتنتهك حقوقهم، وترقد العشوائيات على أملاك واسعة للدولة، تخلو غالباً من البنية الأساسية والمرافق والخدمات العامة اللازمة للحياة الكريمة، والتى يتم الاستيلاء عليها بطرق غير شرعية، فى ظل الغيبوبة التى تعيشها أجهزة الإدارة المحلية فى مصر المعنية.

إن الهجرة من الريف والزيادة السكانية وقوانين ونظم تمليك الوحدات السكنية من أهم أسباب انتشار العشوائيات، والمدن الكبرى لم يوضع لها مخططات هيكلية وتفصيلية، والحكومة تقاعست فى اتخاذ القرارات والإجراءات الجادة لوقف إنشاء العشوائيات، كما أن من أهم أسباب تفاقم العشوائيات اتجاه الدولة إلى الاهتمام بتنمية الحضر وإهمال المناطق الريفية التى ينزح أبناؤها إلى الهجرة الداخلية للبحث عن حياة كريمة والتى لا يجدونها فى الغالب.

وتمثل العشوائيات غصة فى حلق خطط وبرامج التنمية. وتمثل الموارد الكامنة فى المحليات، المادية منها والبشرية، خصماً خطيراً من معادلة التنمية. وعلى المستوى السياسى والأمنى، تمثل العشوائيات مصدراً مهما لتوريد البلطجية لمرشحى الانتخابات لإرهاب منافسيهم والتعدى عليهم وعلى مندوبيهم، كما تمثل مرتعاً للقلق وعدم الاستقرار السياسى باعتبارها موئلا مهماً لكل من المجرمين من جانب وللجماعات المتطرفة أيضاً لأسباب دينية وغير دينية من أهمها استفحال الفقر وتخطيه لكل حدود الفقر المقبولة دوليا. وتغيب فى تلك البيئة القيم السياسية المتمثلة.فى: الديمقراطية، والحوار، وقبول الآخر، واحترام التنوع والتعددية والاختلاف فى الرأى، والتسامح، والشراكة.

وعلى المستوى الثقافى، تساهم العشوائيات فى تصدير ثقافة غريبة، مفرداتها الحقد على المجتمع، والازدحام، والتخبط والقبح العمرانى وعدم التناسق الجمالى، واللامبالاة، والأنامالية، والعشوائية فى الأداء، والانزواء على النفس، والبلطجة والسرقة، وشراء الذمم بالفلوس، والطبقية، وعدم الانتماء وغياب الولاء للبلد أو للقيم المجتمعية الأصيلة، وغياب الرؤية المستقبلية، والاستهلاك والتدمير مقابل العطاء والبناء، والاستفادة من الثغرات القانونية أو محاولة تعطيل بعض أحكامه.. الخ. ولقد استفحلت مشكلة العشوائيات فى مصر، حتى أكد تعداد عام 2006أنّ هناك حوالى 15.5 مليون مواطن يسكنون المناطق العشوائية، أى نحو 25% من جملة سكان المجتمع المصرى، ومنهم حوالى 8 ملايين فرد يسكنون عشوائيات القاهرة. و تعد محافظة القاهرة من أكثر المحافظات التى تنتشر بها العشوائيات، إذ يوجد بها 81 منطقة عشوائية، منها 68 منطقة قابلة للتحسين، و13 منطقة تحتاج إلى الإزالة. وتتعدد أسباب استفحال تلك الظاهرة الخطيرة، ومن أهمها:

تبرعات رجال الأعمال، وجهود الجمعيات الأهلية والمتطوعين من الشباب. ولكن، تظل الدولة مقيدة وغير قادرة على تحقيق مخططاتها لتطوير والحد من ظاهرة العشوائيات فى مصر، بسبب تأخر أولوية تلك القضية على أجندة الحكومة، مقارنةً باهتمامها بتسكين وتضميد بعض مشكلاتها، ليس انطلاقا من محاولة الاستفادة من مواردها فى عملية التنمية، وإنما انطلاقاً من التبعات السياسية والأمنية المصاحبة لها. ويظل الهدف الأساسى -الذى يواجه الدولة باعتبارها الفاعل الأساسى فى هذا الصدد- متمثلاً فى إلحاق العشوائيات بالمدينة من خلال التطوير الشامل، ومنع ظهور جيوبها لاحقاً على أطراف أو فى أعماق المدن.

أستاذ قانون عام -جامعة طنطا