رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قانون تسليم الأجانب فى الفقه القانونى «3»


كانت الحكومة المصرية قد عقدت اتفاقًا مؤقتًا مع حكومة فلسطين بشأن تسليم المجرمين بتاريخ 21 ديسمبر سنة 1922 كما أن هناك اتفاقًا آخر بين حكومتى مصر والسودان بشأن تسليم المجرمين، وتبادل إعلان الأوراق القضائية صدر به قرار مجلس الوزراء بتاريخ 17 مايو سنة 1902، وكذلك صدرت فى كثير من البلاد قوانين لتحديد قواعد تسليم المجرمين.

وكانت بلجيكا أولى الدول فى سنّ مثل هذه القوانين فى الأزمنة الحديثة إذ أصدرت قانونًا بهذا الشأن فى سنة 1833، وتعدل على عدة مرات حتى سنة 1893، وكذلك أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والبرازيل واليابان والمكسيك وهولندا وغيرها قوانين خاصة بتسليم المجرمين ونصَّت بعض الدول على قواعد التسليم فى قوانينها الجنائية من ذلك ألمانيا حيث جاء ذكر هذه القواعد فى المادة التاسعة من قانون العقوبات الألمانى وفنزويلا حيث نص عليها فى القانون الجنائى الذى أصدرته سنة 1903.

القواعد العامة لتسليم المجرمين:ولكن ليس من الضرورى لإمكان تسليم المجرمين أن تكون هناك اتفاقات، أو قوانين تنظم ذلك، بل يقضى الرأى الراجح بجواز التسليم ولو لم يكن هناك اتفاق أو قانون إذ يرجع أساس تسليم المجرمين إلى التضامن العام الذى يجب أن ترتبط به الدول لمنع الإجرام، وفى الواقع تقبل دول كثيرة تسليم مجرمين لدول أخرى دون أن تكون هناك معاهدات تنظم هذا التسليم، وقد نص فى اتفاقية جنيف التى عقدت فى 30 سبتمبر سنة 1921 لمنع الاتجار بالرقيق الأبيض على إلزام الدول المتعاقدة بتسليم المتجرين به حتى ولو لم تكن هناك معاهدات خاصة بذلك ولكن لا يعنى هذا أنه عند عدم وجود معاهدات أو قوانين لا تكون هناك قواعد لتنظيم تسليم المجرمين، فأحكام القانون الدولى العام قد حددت كثيرًا من هذه القواعد العامة وهى تطبق فى أحوال عديدة، وكثيرًا ما أشير إليها فى المعاهدات والقوانين الخاصة بالتسليم ويمكن تلخيص أهمها فيما يأتى:

عدم تسليم الوطنيين: أولاً: لا يجوز تسليم الوطنيين الذين يرتكبون جرائم فى الخارج - وهذا هو الرأى المتبع فى البلاد الغربية ما عدا إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية إذ القانون الجنائى فيهما إقليمى محض أى يطبق على الجرائم التى ترتكب داخل الإقليم، ويستند أنصار الرأى القائل بعدم تسليم رعايا الدولة على أن هؤلاء يجدون فى دولتهم ضمانة قوية وعدلاً تامًا بعيدًا عن الهوى - وقد يكون فى تسليمهم للقضاء الأجنبى تعريضهم لسلطة أجنبية تتحيز ضدهم بسبب جنسيتهم ويقولون أيضًا إن فى تنازل الدولة عن شخص من رعاياها ليحاكم فى دولة أخرى تنازلاً عن جزء من سيادتها، وليس هناك ما يدعو لذلك، إذ المتهم الوطنى لن يفلت من العقاب على ما اقترفه فى الخارج فهو سيحاكم أمام محاكم دولته أى أمام قضاته الطبيعيين.. بقى هناك استثناء ثالث من اختصاص السلطة الإقليمية، وإنما ليس عامًا كالاستثناءات التى سبق ذكرها، بل هو استثناء قاصر على بعض البلاد الشرقية، بل يكاد الآن يكون قاصرًا على القطر المصري، وهو استثناء الأجانب المتمتعين بالامتيازات من السلطة المحلية وقد كانت هذه الامتيازات - قبلاً - عبارة عن منح أعطيت فى البلاد العثمانية وبعض البلاد الشرقية للأجانب حتى لا تنطبق عليهم قواعد هذه البلاد، فالدولة العثمانية عندما منحت هذه الامتيازات لرعايا بعض الدول الأجنبية لم تكن ضعيفة تخشى بأس الأجانب أو دولهم بل كانت قد بلغت ذرا مجدها وكان فى هذه الامتيازات فوائد عديدة لرعايا الدول الأجنبية إذ بدونها كان يعامل الأجنبى طبقًا لقواعد الشريعة الإسلامية باعتبار أنه مستأمن، والمستأمن لا يكون حرًا فى أعماله إلا لمدد معينة، ثم تطبق عليه بعد ذلك أحكام الشريعة، كما أنه كان يدفع جزية للحكومة وقد يجبر على سلوك مخصوص فألغت الامتيازات هذه القيود وأعطت للأجانب الحق فى دخول الأراضى العثمانية، والسكنى بها ومباشرة التجارة بدون أى قيد والتمتع بحرية الأديان وحرمة المسكن وتطبيق قوانينهم الشخصية فى التوارث، وإعفائهم من القضاء المحلى وغير ذلك.

■ دكتور فى الحقوق و خبيرفى القانون العام