رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

براءة مبارك إدانة للإخوان


فى مقالٍ نُشر بصحيفة الوفد بتاريخ 12/11/2011 ناشدتُ أولى أمر البلاد آنذاك أن يأخذوا بسياسة الجلاسنوست التى تعنى المكاشفة والمصارحة، فى مخاطبة الشعب بكل حقائق الأحداث التى شهدها الوطن منذ يناير 2011 وتقييم وتوصيف تلك الأحداث فى ضوء المعلومات المؤكده لأجهزة الدولة الأمنية والوقائع التى تم ضبطها فعلياً.

 وذلك لكشف ضبابية المشهد وتصحيح الصورة الذهنية لدى كل المواطنين.

ولكنَّ من بيدهم زمام الأمور فى هذه الفترة آثروا طريقاً آخر فى التعامل مع المشهد المصرى بكل مفرداته المادية والمعنوية بُغيةَ الوصول بسفينة الوطن إلى بر الأمان، وإذا كنت ألتمس لهم العذر فى نهج المسايرة العاطفية الدافئة لموجات الصخب العاتية والممارسات الجانحة، وذلك نظراً لمناخ هذه الفترة وحساسيتها وتعدد المؤثرات الخارجية والداخلية فيها، إلا أننى مع ذلك لا أُبرئ ساحتهم من الذنب عما ساد فى الوطن من تخبطٍ وتشرذمٍ وتناحرٍ وإختلافٍ جرّاء ذلك النهج السياسى المرتعش.

بهذه المقدمة يأتى حديثى اليوم عن الضجيج والجدل والنزال الذى أُثير بين أفراد المجتمع ونخبه وأطيافه السياسية وشرائحه الاجتماعية المختلفة، بسبب الحكم الذى أصدرته محكمة جنايات القاهره بجلسة السبت 29/11/2014 ببراءة مبارك وباقى المتهمين فيما أُطلق عليها قضية القرن. وفيما أظن فإن ذلك الجدل والتناحر لم يكن له ما يبرره موضوعياً، خاصةً وأن ذلك الحكم - فى ظل ما أتاحته هيئة المحكمة من متابعةٍ إعلاميةٍ لمجريات المحاكمة وما تكشّف من خلال التحقيقات والمحاكمات الأخرى الجارية فى نفس الإطار - بات متوقعاً لكل الخبراء والمتابعين للأحداث بتجردٍ وحيادية.وبعيداً عن التعليق على الحكم وباعتباره فقط عنواناً للحقيقة، فإننى أراه من منظورٍ سياسى قد جاء حداً فاصلاً بين كثيرٍ من الحقائق وما اعتراها من أوهامٍ وإعتقاداتٍ خاطئة كانت ضمن أسباب البلبلة التى عانى منها الوطن لفترة طويلة، ونستخلص من منطوقه وحيثياته فى هذا السياق ما يلى: (1) ثبوت المؤامرة الخارجية على مصر ودول المنطقة العربية لإسقاط وتدمير تلك الدول وإعادة تقسيمها، بآليات الفوضى تحت شعارات زائفة . (2) أن جماعة الإخوان الإرهابية كانت أحدَ أهم أدوات تنفيذ ذلك المخطط، وأنها فى سبيل ذلك استباحت لنفسها كل جرائم الخسة والخيانة، من تخابرٍ وقتلٍ وترويعٍ وتخريبٍ وتدميرٍ، ولذا فقد جاء الحكم منطوياً على إدانته لتلك الجماعة ومن شاركها قبل أن يكون قاضياً ببراءة المتهمين فى القضية. (3) أن الهبّة الشعبية فى يوم الخامس والعشرين من يناير 2011 رغم نقائها ووطنيتها وإخلاصها، وقعت ضحيةً للمؤامرة المعدة سلفاً والتى أحاطت بها من كل جانب، إلا أن الشعب العظيم اختزن أحزانه وآماله فى وجدانه العبقرى، حتى استطاع تحقيق ما يريد بثورته فى 30 يونيو 2013 . (4) أصبح ثابتاً على وجه الحصر والقطع واليقين كلُ من سقط شهيداً أو مصاباً فى أحداث تلك الفترة سواءً من المدنيين أو رجال الشرطة، وإذا كان الحكم الأخير وما سبقه من أحكامٍ لدوائر جنائيةٍ أخرى قد برّأت مبارك ورجال الأمن من تُهمِ قتل وإصابة المتظاهرين السلميين أو الاشتراك فيها أو التحريض عليها، وانطوت فى مجملها على أدلة الاتهام والإدانة بهذه التهم ضد تلك الجماعة الإرهابية، فإن إعادة طرح التساؤل الآن عمّن قتل وأصاب هؤلاءيصير من قبيل العبث الفكرى أو النوازع المغرضة. (5) أنه لا مجال للاعتقاد بعودة مبارك أو رموز نظامه إلى ساحة الحياة السياسية مرةً أخرى ارتكاناً إلى هذا الحكم الصادر ببراءته، لأن نفس الحكم عاب عليه وعلى عهده بما فيه الكفاية، ومن ثَمَّ تبقى المسئولية على الشعب ليعى ذلك. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل ،،

■ كاتب